يطلق البعض على المنتمين للتيارات اللاسلطوية المتأثرة بالماركسية، أنهم أطفال لينين، لأنه سفه أسلافهم التاريخيين، و وصف شيوعيتهم اليسارية بأنها لعب أطفال ، ولكن التجربة التاريخية فى هذه الحالة، أثبتت أنه أحيانا ما يكون لعب الأطفال أكثر حكمة وصوابا من عمل الراشدين.
* فى مارس 1921، طالبت المعارضة العمالية بأن يكون الإنتاج والخدمات تحت إدارة النقابات العمالية ومجالس العمال، إلا أن لينين نعت الاقتراح بأنه “انحراف نقابي فوضوي واضح وجلي” وذلك في التقرير الذي قدّمه أمام المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي البلشفي لروسيا ، وطرح فى مقابل هذا نموذج لدولة تتجاوز مهامها السيادية التقليدية إلى إدارة مجمل شئون المجتمع فى الإنتاج والخدمات، مأخوذا ومنبهرا فى ذلك بنموذج إدارة جهاز الدولة الألمانى لمرفق البريد، و أنتهى اقتراح لينين البالغ الذى أخذ فرصته فى التطبيق إلى أن يتحول كبار العاملين فى الجهاز البيروقراطى للدولة لطبقة منفصلة عن الطبقة العاملة مثقلة بالامتيازات، و محصنة من النقد، واتاحت لها سلطاتها الكلية القدرة، أن تفسد دون حسيب، و تخرب دون رقيب، وانتهى الأمر بها أن تدمر بنفسها دولتها، و أهدت بسهولة معظم ثروات الاتحاد السوفيتى التى بنيت بكم هائل من التضحيات عبر ثمانين عاما إلى حفنة من اللصوص، دون أن يبدى العمال أى دفاع عن ما يملكوه، وما شيدوه بالدم والعرق والحرمان، لأنهم فى الحقيقة لم يشعروا يوما أنهم مالكين لكل تلك الثروة، فقد كان تخطيط الدولة العقلانى لكل من الإنتاج والاستهلاك، يعنى تكديس السلاح وغزو الفضاء، و فى نفس الوقت حرمان الناس من احتياجاتهم الاستهلاكية البسيطة،..أما ما اقترحه الأطفال، ولم يجد الفرصة للتطبيق ، فكان يعنى ببساطة أن يتحرر العمال فعليا من عبودية العمل المأجور التى استمرت لدى الدولة كما كانت لدى الرأسماليين ، كما استمر انفصالهم عن وسائل الإنتاج، وعن ما ينتجوه كما كانوا فى الوضع الذى ثاروا عليه، كان الأخذ بكلام الأطفال ، سوف يعنى عدم اتاحة الفرصة للفساد و لتنامى الثروات من الاقتصاد السرى، طالما ظل بإيدي العمال أنفسهم إدارة ما يملكوه، وما كان يمكن أن يسلب منهم ما بنوه، بمثل هذه البساطة التى حدثت، فضلا عن أنهم فى النهاية كانوا سوف ينتجون ما يحتاجونه فعلا من احتياجات استعمالية، دون هدر للإمكانيات الموارد وجهودهم الهائلة فيما لا طائل من وراءه ، وبالتالى ما كان يمكن أن يفقد البشر فرصتهم التاريخية للتحرر من القهر والاستغلال، و التى قد لا تتكرر فى المدى المنظور، نتيجة هذا الفشل المروع، برغم ما يمثله الوضع الحالى من تهديدات لاستمرار البشر أنفسهم فى الوجود، وبرغم الأزمة التى تعترى الرأسمالية مؤخرا، بسبب عزوف الناس فى نفس الوقت عن سماع من يطرحون البديل عن هذا الوضع، والذين يقترحون تجاوز الرأسمالية فورا. زیاتر بخوێنەرەوە أطفال لينين على صواب
ئەرشیفەکانى هاوپۆل: عربی
استبيان رأى عن اللاسلطوية
بمناسبة ذكرى مرور 11 عام على بدء استخدامى الأنترنت فى شرح الأفكار اللاسلطوية ، طرحت مجموعة من الأسئلة على قائمة بريدية تضم زملاء وأصدقاء ورفاق راجيا بالحاح الرد عليها معللا ذلك برغبتى فى تقييم تجربتى أولا لكى اطورها و أطور أفكارى نفسها،وكانت الأسئلة هى هل أنت لاسلطوى أم لا ؟، و إلى أى من المدارس اللاسلطوية تنتمى مجالسى، نقابى ثورى، تعاونى، فردى؟، و ما هو الطريق الذى تتبناه لتحقيق اللاسلطوية، الثورة الاجتماعية/السياسية أم الإصلاح اللادولتى أم التحرر الذاتى؟، و ما هى تحفظاتك على اللاسلطوية؟، و هل تهتم بمعرفة اللاسلطوية أم لا ولماذا؟، و هل أنت ملم باللاسلطوية وما مصادر ومستوى هذا الإلمام؟، وهل تعتبره كافيا لاتخاذ موقف منها؟، وهل أفادتك المادة النادرة المنشورة بالعربية عن اللاسلطوية على الأنترنت؟، و هل ترى أن هناك امكانية لكى تصبح هذه الأفكار أيديولوجية جماهيرية بدلا من انحصارها فى أفراد ومجموعات قليلة؟ ، وفى النهاية لم يتفاعل إلا ثمانية من المرسل إليهم لم يجيبوا على كل هذه الأسئلة على النحو الذى أرغبه، و مازلت أرغب فى معرفة اجابة أكبر عدد ممكن لهذه الأسئلة التى هى على سبيل استبيان الرأى. زیاتر بخوێنەرەوە استبيان رأى عن اللاسلطوية
حقيقة الاستغلال الرأسمالى
سامح عبود
العمل الإنسانى هو المصدر الأوحد لكل ثروة مادية، جنبا إلى جنب مع الطبيعة التى تزود الإنسان بمواد عمله من أراضى ومواد خام وخلافه، و كل ما فى الطبيعة البكر من إمكانيات كامنة لتوليد الثروة الاجتماعية لابد وأنها تحتاج للعمل الإنسانى لتحويل تلك الإمكانية لواقع ملموس من الثروة ، فقوة العمل البشرى هى التى تحول الأرض البكر لأرض صالحة إما للبناء أو للزراعة، فتصبح بذلك العمل ثروة اجتماعية، و قوة العمل البشرى هى التى تستخرج ما فى المناجم من معادن، تلك التى تظل بلا قيمة طالما ظلت فى المناجم، و لكنها تصبح بعد استخراجها بقوة العمل البشرى لسطح الأرض مواد لها قيمة معينة، وتكتسب قيمة أعلى عندما يتم توصيلها لأماكن صهرها، وبالصهر والصب والقطع والتشكيل وغيرها من العمليات تتحول تلك المواد الأولية الخام الموجودة فى الطبيعة لأدوات و آلات للعمل ذات قيمة أعلى من قيمة المواد الخام المستخرجة و المنصهرة، و كلما زادت العمليات التى تجرى على نفس الكمية من المعادن المستخرجة من المنجم خلقت منتجات أعلى من قيمتها، و تستطيع قوة العمل البشرى أن تؤثر بأدوات وآلات العمل على المواد الأولية الخام و غير الخام لإنتاج المزيد من أشكال الثروة الاجتماعية، سواء فى شكل منتجات للاستهلاك أو وسائل للإنتاج، التى تتحدد قيمتها بما بذل فيها من عمل بشرى، وهى القيمة التى لا تكتسبها إلا بفضل هذا العمل، والأشياء التى توجد فى الطبيعة البكر، و التى لم يؤثر فيها عمل ما، هى أشياء لا تباع ولا تشترى، و لا ثمن لها، كالهواء و هو أكثر المواد منفعة لحياة الإنسان، و الأكثر من حيث القيمة الاستعمالية، و الذى برغم من ذلك نتنفسه دون أن يطالبنا أحد بثمنه، إلا إذا بذل فيه عمل ما، سواء بالتنقية و التعبئة مثلا فيصبح بذلك سلعة لها قيمة تبادلية أى ثمن. زیاتر بخوێنەرەوە حقيقة الاستغلال الرأسمالى
البرجوازية الموحدة تفكك البروليتاريا
لا توجد طبقة بروليتارية واحدة بل طبقات بروليتارية، فجوهر البروليتارية هو التجرد من مصادر السلطة المادية (وسائل الإنتاج والعنف والمعرفة) ومن ثم الاضطرار لبيع قوة العمل المأجور، أما البرجوازية فجوهرها هو حيازة مصادر السلطة المادية وشراء قوة العمل المأجور، والصراع بينهما هو صراع بين العمل و رأسالمال، أما البروليتاريا الصناعية، فهى البروليتاريا بالمعنى الدقيق، وهم عمال المنشئات الصناعية الرأسمالية، وهم يختلفون عن البروليتاريات الأخرى الذين يشترك أفرادها معهم فى حالة “البلترة”، وهى عكس حالة “البرجزة”، التى توحد البرجوازيات المختلفة، و البروليتاريون يتنوعون ما بين عمال القطاع الحكومى، وعمال القطاع الرأسمالى، وعمال القطاع الرأسمالى الصغير، الرسمى منه وغير الرسمى، وأخيرا البروليتاريا الرثة، هذا من جهة، و ينقسمون أيضا من جهة أخرى القطاع الذى يعملون به، فعمال الصناعة غيرهم غير عمال الزراعة و كليهما غير عمال الخدمات، و بالمعنى الدقيق، فالبروليتاريا الصناعية قطاع صغير الحجم و متقلص اجتماعيا، وإن كان من بين الطبقات البروليتارية الأخرى هو الأكثر قدرة على قيادة التغيير الاجتماعى.
الطبقات البروليتارية، وإن كانت توحدها مصالح مشتركة فى أجور أعلى، وساعات عمل أقل، وأسعار أرخص، وفى التحرر فى النهاية من عبودية العمل المأجور، إلا أنها تتباين فى وعيها، و فى إمكانيتها الثورية، وقدراتها النضالية، وفى علاقتها بإنتاج القيمة المضافة، وفى طبيعة عملها، وعلاقتها مع البرجوازيين والبيروقراطيين، وهذا يخلق تناقضات بين الطبقات البروليتارية نفسها، و يعمل على تفتيتها. زیاتر بخوێنەرەوە البرجوازية الموحدة تفكك البروليتاريا
خرافة الطبقة الوسطى
سامح سعيد عبود
لا يوجد ما يسمى بالطبقة الوسطى، رغم شيوع استخدام المصصطلح حتى فى الأوساط الأكاديمية، رغم عدم علميته، الكامنة فى أنه تعبير مطاطى غير دقيق وغامض، ولا يكشف عن مضمون اجتماعى محدد، لأن الناس تتحدد هويتهم الطبقية وفق مواقعهم فى علاقات الإنتاج، أى وفق علاقاتهم بمصادر السلطة المادية، و هى الثروة والعنف والمعرفة، لا وفق مؤهلاتهم الدراسية، أو طبيعة عملهم، أو مستوى معيشتهم، ومن هنا ينقسم البرجوازيون وهم بالتعريف ملاك الثروة عموما إلى ثلاث طبقات مهيمنة فى ثلاث علاقات إنتاج مختلفة، وأما البيروقراطيون الحائزون على وسائل العنف والمعرفة فيتميزون عن باقى العاملين بأجر الآخرين، الموظفين الحكوميين الصغار، والعمال الحكوميين، و العمال لدى الرأسماليين، والعمال فى الإنتاج السلعى البسيط، لكننا لا نستطيع أن نقدم صورة دقيقة عن حجم كل طبقة من تلك الطبقات البرجوازية لعدة أسباب منها
أولا:ـ أن منشئات القطاع الخاص لا تسجل رسميا كل من يعملون لديها بدقة، وهو معيار مهم فى التفريق بين ملاك هذه المنشئات.
ثانيا: _أن التطور التكنولوجى نفسه أصبح يقلص باستمرار من عدد العاملين بالمنشئات التى أصبحت تتزايد كثافة رأسمال فيها، و تتقلص بها قوة العمل مما يستدعى تعديل معيار حجم العاملين بالمنشأة كأساس للتفريق بين الطبقات المالكة.
ثالثا:ـ أن البرجوازى الواحد يمكن أن يملك أو يشارك فى منشئات متعددة كبيرة و متوسطة وصغيرة، و يمارس أنشطة متنوعة، ومن ثم يحصل على مصادر متعددة للدخل من عوائد التملك (الأرباح والفوائد والريع) التى لا ترصدها الاحصائيات بدقة. زیاتر بخوێنەرەوە خرافة الطبقة الوسطى
معوقات العمل الجماعى العام
سامح سعيد عبود
هل فكرة العمل المباشر، أو ما يسمى بالتحرر الذاتى، كممارسة طويلة الأمد للتغيير الاجتماعى، لا تعنى سوى أن نستقيل من العمل الجماعى العام، وخاصة أنه توجد الكثير من الأسباب التى تعيق العمل الجماعى العام، الذى هو أساس أى ممارسة اجتماعية ثورية كانت أم إصلاحية، ومن ثم فعلى كل من الثوريين أو الإصلاحيين، على السواء أن يكفوا جميعا عن العمل الجماعى العام طالما أن هناك معوقات جسيمة تقف فى طريقهم.
أننا نواجه دولة، تمارس القمع، سواء بقفازات حريرية أم بقبضات حديدية، و تتدخل فى كل عمل جماعى لتمنعه، أو لتسيطر عليه وتفسده، ومن ثم يصبح خوض معركة تقليص دور الدولة للحد الأدنى مهمة ضرورية وملحة للغاية، لكى يمكن أن نطلق العمل الجماعى من قيوده، إلا أنه حتى فى ظل هذا القمع المفرط، يمكن أن ننتزع مساحات من الحريات الفردية والحقوق لأنفسنا، وأن نساعد من يرغب فى أن يتحرر مثلنا، وذلك فى تقديرى خير من انتظار انتهاء القمع الدولتى ذات يوم، عندما تشاء الغالبية التمرد على وضع الخضوع، وتنجح فى رفع القمع من على كاهلها.
لما كانت أعمارنا قصيرة للغاية، و لا ينبغى أن نستنزفها فى انتظار يوم القيامة الثورية، فعلينا أن نحقق أوسع قدر ممكن من الحرية، حتى فى ظل هذا القمع مع مقاومته وفضحه فى نفس الوقت، فهل من الخيالى أن نتحرر من عبودية العمل المأجور كأفراد وجماعات صغيرة إذا أمكنا ذلك، دون انتظار أن تتحرر كل قوى العمل المأجور من عبوديتها الأجيرة، وخصوصا أن البشر تخلصوا من الأشكال السابقة من العبودية الكاملة والجبرية بالتدريج وبالعديد من الوسائل، وليس فى يوم عالمى للخلاص النهائى من العبودية.
أن الدولة وأجهزتها البيروقراطية العاتية، ليست مطلقة القدرة، و إلا كانت استطاعت القضاء على الأنشطة غير المشروعة، وأشكال الاقتصاد غير الرسمى الذى يشكل حجما ضخما فى الاقتصاد، ويحرمها بالتالى من موارد ضريبية ضخمة، فنساء المفقودين والمعتقلين والقتلى اليساريين إثناء حكم بينوشية فى شيلى استطاعوا أن يشكلوا شبكة عمل جماعى متصلة بشبكات أخرى فى الخارج لترويج منتجات منزلية مختلفة صنعوها بأيديهم ساعدتهم على توفير سبل الحياة التى حرمتهم منها السلطة القمعية.
الجمعيات التعاونية أى كان نشاطها كيانات موجودة منذ أكثر من مئة وخمسين عاما عبر العالم، وقد نشأت بمعزل عن الحكومات، حتى تدخلت الحكومات فى تنظيمها، وهى أحد الأشكال التنظيمية التى يطرحها الأناركيون التعاونيين لتجاوز الرأسمالية والدولة، والمطلوب ليس إعادة اختراعها من جديد، وإنما تحريرها فقط من سيطرة الدولة وتشوهات البقرطة والرسملة التى تلحق ببعض ممارستها، وهذا لا يحتاج ليوم قيامة ثورية، وما نحتاج إليه لتحريرها وتخليصها من تشوهاتها هو أمرين الأول انهاء سيطرة الدولة على الحركة التعاونية، وهذا يحتاج لمعركة سياسية، والثانى خلق تعاونيات تحررية خالية من الرسملة والبقرطة بعيدا عن تدخل الدولة، وترسانة قوانينها ومؤسساتها.
أن الغالبية الساحقة من البشر ليسوا مهيئين للتحرر من واقع عبوديتهم، ذلك لأنهم ليسوا مقموعين ومضللين فقط، ولكن لأنه تم تشكيلهم عقليا طوال تاريخهم الطويل، وبواسطة مؤسسات المجتمع والدولة ليقبلوا بوضع عبوديتهم باعتباره الوضع الطبيعى، و تم اقناعهم بأن الشأن العام هو مسئولية الساسة والحكام لا مسئوليتهم هم، و من ثم فإن قضية تحررهم من العبودية لا تعنيهم، كما إن الشئون العامة للمجتمع والعالم لا تعنيهم، إلا إذا مست مصالحهم الشخصية المباشرة، وهم ليسوا على استعداد لتحمل مسئوليات العمل الجماعى العام، وقد تعودوا على إلقاءها على عاتق الغير، والتهرب منها كلما أمكن، إلا إذا حققت لهم مصلحة شخصية مباشرة.
غالبية الناس الساحقة يقتصر دورهم على الفرجة على الاستعراضات التى تقدمها لهم النخب الحاكمة، وذلك بمتابعة ما تبثه لهم أجهزة الإعلام المختلفة، أو الساسة فى مهرجانات الانتخابات العامة، لكن دون تعمق فى الفهم للشئون العامة، الذى لا يمكن أن يتحقق لهم عبر وسائل الثقافة والتعليم والحملات الانتخابية التى تسيطر عليها النخب الحاكمة والمالكة، ومن ثم هم أسرى غوغائية الإعلانات، وضجيج الدعاية، والتعليم المؤدلج، ومن هنا تصبح خياراتهم فى الانتخابات ليست تعبيرا عن مصالحهم، وإنما تأثرا بروعة الدعاية والإعلان والإثارة.
لا تتجاوز اهتمامات الغالبية الساحقة من البشر ثقافة الاستهلاك والترفيه والتسلية والمتعة الغريزية، معظمهم مدمن على الفرجة على ما يلقي إليه من الاستعراضات السياسية و الرياضية والفنية، التى تلهيهم وتخدرهم، وتحرمهم من الفهم، وتصيبهم فى النهاية بالبلاهة والجهل، وحتى بعد انتشار الانترنت وبرغم كل ما فيه من إمكانية مذهلة و رخيصة للثقافة والفهم العميقين، وبرغم إمكانياته الرائعة فى تشكيل عقول متحررة من سيطرة النخب الحاكمة والمالكة، فإن الغالبية العظمى من مستخدمى الانترنت، لا يستخدمونه إلا لمتابعة مواقع الجنس والخرافات و الإثارة والألعاب والدردشة الفارغة والثرثرة التافهة، والخلاصة أن الغالبية الساحقة من البشر مدمنون لأشكال متنوعة من المخدرات، ومهووسون بالمتعة الغريزية والمصلحة الشخصية ولا شئ آخر، وبرغم كل ما حققته البشرية من تقدم علمى ومعرفى مذهل، فإنهم وعلى التضاد من ذلك يكرهون العلم، ويدمنون الخرافة ، و فى حين يتشككون فى العلماء فإنهم يسلمون عقولهم لكل من يبيع لهم الخرافة.
الثقافة السائدة تقوم على قيم التنافس الفردى والصراع على المنافع الأنانية ، و من ثم تم ترسيخ الحلول الفردية، وتم رفع قيمة تحقيق المصلحة الشخصية، وهى ثقافة مضادة لقيم التعاون والتكافل لتحقيق المصالح المشتركة، وهو ما يمكن أن يدفع الناس للعمل الجماعى التعاونى.
الثقافة السائدة هى التى تدفع عشرات الألوف من شباب العاطلين المصريين سنويا للمغامرة ببيع بعض ممتلكاتهم أو ممتلكات ذويهم الصغيرة ليدفعوها لعصابات الهجرة السرية لأوروبا حيث يتعرض هؤلاء الشباب إما إلى الموت فى عرض البحر أو الترحيل من على الشواطىء الأوروبية، ولكنهم لا يفكرون فى تنظيم أنفسهم فى جمعيات تعاونية إنتاجية يستثمرون فيها نقودهم القليلة ومهاراتهم المختلفة، ويضمنون عمل حر فى بلادهم بدلا من تلك المغامرة غير المأمونة.وتلك الثقافة السائدة هى التى تدفع الكثير من الناس للهجرة أو للعمل فى أكثر من عمل فى نفس الوقت فى مواجهة ارتفاع الأسعار، ولكنهم لا يفكرون فى تنظيم أنفسهم فى جمعيات تعاونية استهلاكية، توفر عليهم ما يدفعوه للتجار، وتمنحهم الفرصة لتقليص عدد ساعات عملهم ليستمتعوا بالحياة.
الحقيقة أن الحرية والمساواة والعدل والتقدم لم تكن يوما محور اهتمام غالبية الناس الساحقة، وإنما هو محور اهتمام قلة طليعية، ناضلت عبر التاريخ دافعة الإنسانية معها لتحقيق كل ما تم تحقيقه من حريات وحقوق للإنسان وتقدم للبشرية، و ما يرفضه الأناركيون هو أن تشكل تلك الأقلية الطليعية من نفسها وصية على الغالبية، مدعية تمثيلها، ومحاولة للوصول للسلطة لتحقيق برنامجها، لأنها فى النهاية سوف تعيد إنتاج القهر والاستغلال، طالما ظلت الغالبية على حالتها سالفة الذكر، وانطلاقا من ذلك فإن الدور المطروح على هذه الطليعة أن تقدم نماذج عملية للتحرر تنطلق من تلبية مصالح أفراد الغالبية المباشرة، وفى حالتنا تلك التعاونيات الاستهلاكية لمواجهه ارتفاع الأسعار، والتعاونيات الانتاجية لتوفير فرص للعمل.
الأناركية والدارونية
رغم كل ما كتب عن الأناركية، فإن الكثيرين مازالوا يصفونها بالخيالية، رغم أنها تعتمد فى ممارستها لتغيير العالم على ما يسمى بالفعل المباشر، وهو بناء علاقات لا سلطوية وتعاونية فى قلب المجتمع القديم، وعلى هامشه،أو الحفاظ عليها والإكثار منها إذا كانت موجودة، آملين أن يصبح لذلك النوع من العلاقات السيادة الاجتماعية يوما ما، بعيدا عن أى شكل من أشكال الهندسة الاجتماعية، أو انتظار ليوم القيامة الثورية، وهم فى هذا يجسدون أفكارهم، الآن فى عالم الواقع، وليس فى عالم الخيال والشعارات والمهاترات النظرية،بالانخراط فيما هو عملى وفعال وممكن بدلا من الانغماس فى الاستعراض السياسى الذى يساعد على تثبيت الواقع لا تغييره، وإعادة إنتاج العلاقات القائمة لا تغييرها.
الأناركيون يتمسكون بالنظرة المادية للعالم التى هى نفسها نظرة العلم الطبيعى للعالم، فكما فى الطبيعة الحية، تحدث تغيرات مختلفة فى الجينات الوراثية، تؤدى لتغير فى صفات الكائنات الحية، مما يؤدى لتنوعها بمرور الوقت، وفى النهاية تبقى الكائنات الصالحة للبقاء، وتنقرض الكائنات غير الصالحة للبقاء. مما يؤدى لتطور الكائنات الحية، وهى العملية المسماة بالانتخاب الطبيعى، التى يقلدها الإنسان فيما يسمى بالانتخاب الصناعى، والتى تؤدى لوجود سلالات نباتية وحيوانية جديدة، لها صفات مرغوب فيها استهدفها البشر مسبقا، و لم تكن موجودة من قبل. زیاتر بخوێنەرەوە الأناركية والدارونية
الأناركية عكس الفكر الماركسى اللينينى فى تنظيم المجتمع
ليورانزو كمبوا إرفن
ترجمة : سامح سعيد عبود
تاريخيا ،هناك ثلاث أشكال رئيسية من الاشتراكية،الاشتراكية التحررية (الأناركية)،الاشتراكية السلطوية(الشيوعية الماركسية)،الاشتراكية الديمقراطية (الديمقراطية الاجتماعية الانتخابية) .اليسار السلطوى يردد صدى التصوير البورجوازى للأناركية كأيديولوجية للفوضى والعبث والجنون .لكن الأناركية وخاصة الأناركية الشيوعية ليس لديها و ما يجمعها وهذه الصورة . الزائفة و المصنوعة من قبل أعدائها أيديولوجيا الماركسيين اللينينين.
إنه من الصعب جدا على الماركسيين اللينينين تقديم نقد موضوعى ضد الأناركية الشيوعية بسبب طبيعتها التى تدك كل المزاعم الأساسية للماركسية اللينينية ، طالما ظلت الماركسية اللينينية تتمسك بكونها فلسفة الطبقة العاملة وأن البروليتاريا لا تستطيع أن تدين بتحريرها لأى أحد سوى للحزب الشيوعى ، فأنه يكون من الصعب الاستناد إليها والقول أن الطبقة العاملة حتى الآن ليست مستعدة لإعفائها من التسلط عليها، لينين أتى بفكرة الدولة الانتقالية، والتى ستذوى بعيدا بمرور الزمن، أو لتمضى بعد فترة “ديكتاتورية البروليتاريا” لماركس، الأناركيون كشفوا هذا الخط الأيديولوجى كثورة مضادة ، وكانحراف لانتزاع السلطة من يد الناس ، وبعد 75 عاما من الممارسة الماركسية اللينينية التى برهنت على صحة وجهة النظر تلك ، حيث رأينا جميعا ما تسمى بالدول الاشتراكية المؤسسة على مفاهيم الماركسية اللينينية و قد أنتجت فقط الدولة الستالينية البوليسية ،حيث العمال لا يملكون أى حقوق ، بينما تملكها الطبقة الحاكمة الجديدة من التكنوقراطيين وساسة الحزب الصاعدين ، ورأينا كيف استمرت التفاوتات الطبقية بين هؤلاء الذين ميزتهم الدولة و بين الجماهير المحرومة بخلقها الحرمان واسع النطاق بينهم ، و من ثم فقد دشنت صراع طبقى آخر بدلا من أن تلغى كل صراع طبقى كما سبق ووعدت .
لكن الماركسيين اللينينيين بدلا من توجيه انتقادات رئيسية للفكرة الأناركية ، فقد ركزوا هجماتهم ليس على مفهوم الأناركية بل على الرموز التاريخية للأناركية و بشكل خاص على باكونين (المعارض الأساسى لماركس فى الأممية الأولى). الأناركيون هم الثوريين الاجتماعيين الذين يهدفون إلى اللا دولتية ،اللا طبقية ، الاتحادات التعاونية الطوعية لمجتمعات لا مركزية مؤسسة على الملكية الاجتماعية ، الحرية الفردية ، والإدارة الذاتية المستقلة للحياة الاقتصادية والاجتماعية.
الأناركيون يختلفون عن الماركسيين اللينينيين فى كثير من القضايا ، و بشكل خاص فى البناء التنظيمى ، و هم يتميزون عن الاشتراكيين السلطويين فى ثلاث مفاهيم أولية ، هم يرفضون المفاهيم الماركسية اللينينية ، حول الحزب الطليعى ، المركزية الديمقراطية ، ديكتاتورية البروليتاريا ، و الأناركيون لديهم بدائل لكل هذه المفاهيم ، ولكن المشكلة هى أن معظم المنتمين لليسار (بما فيهم بعض الأناركيون) جاهلين بشكل كامل بالبدائل البنيوية الملموسة لتلك المفاهيم الماركسية وهى الجماعة الدعائية ، والديمقراطية المباشرة ، و المشتركات (الكوميونات )الجماهيرية. زیاتر بخوێنەرەوە الأناركية عكس الفكر الماركسى اللينينى فى تنظيم المجتمع
اقتصاديات الحرب الرأسمالية
سامح عبود
برغم ما تقدمه الحرب من خدمات جلية للرأسمالية هى فى أمس الحاجة إليها الآن، وباستثناء الإطاحة بنظام الحكم البعثى فى العراق، ونظام طالبان فى أفغانستان، فى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، فقد وثق تقرير الأمن البشري لعام 2005 انخفاضا كبيرا في عدد وشدة الصراعات المسلحة منذ نهاية الحرب الباردة في أوائل التسعينيات. ومع ذلك، فإن الأدلة التي اختبرت في طبعة عام 2008 من تقرير مركز التنمية الدولية وإدارة النزاعات في “السلام والصراع” أشارت إلى أن الانخفاض العام في الصراعات قد توقف .
الحرب هى بمثابة الأكسير الذى يعيد الشباب للرأسمالية بعد كهولتها، فالحرب تعنى ببساطة تشغيل مصانع السلاح، و معدات القتال، و إمدادات الجيوش و إهلاكها، و تجنيد و تشغيل المتعطلين عن العمل سواء فى الصناعات الحربية أو الدفاع المدنى أو إهلاكهم فى الحرب، وبذلك يتم التخلص من الفائض السكانى والسلع الراكدة على السواء، مما يعنى إعطاء الرأسمالية فرصة جديدة للانتعاش مجددا سواء أثناء الإعداد للحرب، وأثناء الحرب و بعدها، كما تتسبب الحروب أيضا فى إهلاك وسائل وطرق الإنتاج المتخلفة، و تدمير المدن والمرافق القديمة، لتأتى فترة السلام بعد الحرب ليعاد بناء المدن و المرافق العامة، و إحلال وسائل وطرق إنتاج جديدة أكثر تقدما وإنتاجية، فتحل فترات مؤقتة من الرواج، والتشغيل الكامل للعمالة و زيادة الإنتاجية، و من ثم يرتفع معدل الأرباح، كما حدث هذا فى فترة ربع القرن المجيد ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها سرعان ما واجهت مجددا ميل معدل الربح للانخفاض، ومشكلة حالة الركود التضخمى التى بدأت مع السبعينات حتى الآن .
الحرب تؤدي غالبا إلي خلق وظائف جديدة، عندما يكون معدل البطالة مرتفع، وتزيد من عمليات الشراء التى تنخفض فى ظل أزمات الكساد مما يساعد على زيادة الإنتاج الكلي المتدهور، ففى حالة التحضير للحرب، يزداد الطلب الحكومى على السلع والخدمات لتزويد الجيش بالأسلحة والذخائر والمعدات، فتعمل مصانع السلاح والمعدات والسيارات، وتتوالى الطلبات على مصانع أخرى لتوريد الملابس والأغذية لمتطلبات الجنود المعيشية ولتوفير كل تلك الطلبات توظف الشركات عمالة اضافية من أجل تلبية هذه الزيادة الطارئة في الإنتاج، و إذا كانت الاستعدادات للحرب كبيرة بما يكفي، فإن أعدادا كبيرة من العمال سوف يتم توظيفها مما يخفض معدل البطالة، وسوف تنخفض البطالة أكثر حين تذهب أعداد من المشتغلين فعليا إلى التجنيد الإجبارى، فيحل محلهم عمال متعطلين، و مع انخفاض معدل البطالة يزيد إنفاق المستهلكين، فالأشخاص الذين لديهم وظائف من قبل سوف يكونون اقل قلقا من فقدان وظائفهم في المستقبل، لذلك سوف ينفقون أكثر مما فعلوا سابقا، و هذا الانفاق الاضافي سوف يساعد في انتعاش الإنتاج والأسواق، مما سوف يؤدى إلى تعيين موظفين اضافيين مما يسبب انخفاض نسبة البطالة إلى أكثر من ذلك.
عندما تضع الحرب أوزارها، فإن الدول المهزومة أحيانا يطلب منها دفع تعويضات الحرب للدول المنتصرة، وفي بعض الحالات، يتم التنازل عن الأرض للدول المنتصرة، فالحرب وسيلة لتوسيع هيمنة السلطة وخلق الإمبراطوريات السياسية والاقتصادية، ومن ثم فهى لا تفيد إلا الأباطرة، والجدير بالإنتباه هنا أن حالة الاستعداد للحرب حتى بدون اشتعال الحرب فعليا تؤدى نفس المهمة الإنقاذية من أزمات الركود، والمثل القوى هنا الحرب الباردة التى أشعلت سباق التسلح وغزو الفضاء، فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا أدى بعد انتهاءها للبحث عن مبررات لإستمرار هذه الحالة فيما يسمى الحرب ضد الإرهاب.
إن العديد من الحروب تستند جزئيا أو كليا إلى أسباب اقتصادية، فالحرب تحفز في بعض الحالات اقتصاد البلاد المتحاربة، ولكنها في كثير من الحالات، لا تؤدي إلا إلى تدمير الاقتصاد في البلدان المتحاربة خاصة المهزومة منها. و الحرب العالمية الثانية واحدة من الأمثلة الصارخة على أثر الحرب على الاقتصاد وحل الأزمات الرأسمالية، حيث انتهى الكساد الكبير في الثلاثينات عندما ضاعفت الدول من إنتاجها من المواد الحربية لخدمة المجهود الحربي، كما أن عهد الرواج الكبير أو ربع القرن المجيد التالى للحرب كان بسبب الكم الهائل من استثمارات التعمير التى ضختها الرأسمالية الأمريكية المنتعشة، والتى لم تقترب الحرب من آراضيها بعكس الوضع فى بلاد أوروبا وشرق آسيا، والتى كانت فى مسيس الحاجة لهذه الاستثمارات لإصلاح الكم المهول لما خربته الحرب من مدن ومصانع ومرافق.
يمكن أن ننظر إلى الحرب باعتبارها تعبير عن المنافسة الاقتصادية في ظل نظام دولي تنافسي، تتنافس فيه الرأسماليات القومية على الأسواق والمواد الخام وطرق التجارة الدولية، ويبدو أن هذا الدافع الذى كان قويا لغزو البلاد الأخرى والدخول فى حروب معها فى القرون السابقة قد ضعف الآن، بسبب الحرية المتزايدة لرؤوس الأموال والسلع والعمالة والمعلومات، فى تخطى الحدود القومية، والاندماج المتزايد للاقتصاديات القومية فى اقتصاد عالمى موحد، ولكن تظل الاختلافات والتناقضات الاقتصادية بين الاقتصاديات القومية قائمة، وهى دافع للحروب نسبى وليس مطلق.. والمطروح الآن بين الدول الكبرى هو اشتعال الحروب التجارية والباردة، أما الوارد بقوة فهو اشتعال الحروب العرقية والدينية والطائفية والقبلية فى البلاد المتخلفة للتخلص من فائض سكانها الزائد عن احتياجات الرأسمالية، ولتدميرها أثناء الحرب ليعاد تعميرها بعدها، مثلما حدث فى العراق، فضلا عن استمرار حالات التوتر العسكرى تعطى مبرر لاستمرار صناعات السلاح، وزيادة الانفاق العسكرى، رغم أن الأسلحة لا تستخدم إلا فى الحروب، وغالبا ما تشترى لتكدس فى مخازن الدول المنتجة للسلاح، حتى تأتى الأبحاث بتقنيات أحدث، فيتم تكهين الأسلحة القديمة، أو تصريفها فى أسواق الدول المستوردة للسلاح، أو فى عالم تجارة السلاح السرى.
يكتب كارل ساجان وهو عالم فلك أمريكى “أن نصف العلماء على الأرض يعملون فى مجال الصناعات و الاختراعات العسكرية لجزء من الوقت على الأقل” ، و لا شك أن برامج التمويل الحكومى لأبحاث التسلح، كانت وراء بعض من أهم المنتجات التي نعرفها اليوم. مثل الترانزستور الذى كان له دور هام فى تطوير أجهزة الاتصال والإرسال والاستقبال، ثم الدوائر المتكاملة التى ساعدت فى ابتكار الكومبيوتر الشخصى، و الإنترنت (الذي يسمى أصلا أربانيت) وهو برنامج من تمويل وكالة مشاريع البحوث المتقدمة الأمريكية، حيث كان يعد كوسيلة للاتصال عبر مسافات طويلة في حالة حدوث الدمار النووي، ولكنه أصبح أهم ابتكار تكنولوجى فى العقود الأخيرة، وقد أدت البرامج الممولة للحرب لابتكار التليفون المحمول كوسيلة تمكن الجنود من التواصل بسهولة من داخل دباباتهم لمسافات طويلة، ثم تحول لهوس استهلاكى مدنى فى العقد الأخير، ربما هذا الجانب الجيد فى أبحاث التسلح، ولكن الجانب السىء هو توجه البحوث العلمية والتقنية بداية فى خدمة أغراض الحرب،وليس لأغراض السلم، و مرورها عبر برامج التسلح التى تستنزف أموال طائلة، و فيها تهدر البشرية نصف عقولها النيرة فى بحوث عسكرية هدفها الخراب والدمار من أجل مصالح قلة أنانية من الرأسماليين والقادة العسكريين والسياسيين وتجار السلاح، فى حين أنه من الممكن أن تتوجه تلك العقول وما يمكن أن تبدعه من الابتكارات التقنية و البحوث العلمية منذ البداية من أجل زراعة الصحارى، وحل مشاكل الجوع، والبحث عن مصادر بديلة للطاقة الأحفورية الملوثة للبيئة، والقضاء على مشكلة الاحتباس الحرارى وغير ذلك.
هذا الجشع المجنون من قبل العسكريين وتجار السلاح، هو من دفع البيروقراطية السوفيتية لكى توجه جل جهود علمائها ومهندسيها وفنيها المتميزين لكى يصنعوا أسلحة كان فى إمكانها تدمير العالم وسكانه أكثر من أربعين مرة، دون أن يوقفها تساؤل منطقى بسيط، من كان سوف يبقى من البشر ليستخدم تلك الأسلحة لتدمير العالم للمرة الثانية، بعد تدميرها فى المرة الأولى، فى حين كان المواطنين السوفيت لا يجدون ضروريات الحياة إلا بصعوبة، و يقفون بالطوابير لشراء أبسطها، و لا شك أن هذا مثال واضح الدلالة عن كيف ترهق الحروب ميزانية الدول وتسخر موارد الدولة بأكملها لضخ المزيد في عجلة الحرب الضروس، و بسببها تشح الموارد والمنتجات، وبذلك تبرز السوق السوداء التي توفر البضائع العادية بضعف أثمانها الحقيقية.
الهوامش
هيويت، جوزيف، J. Wilkenfield وT. مع ذلك أن مفهوم الحرب هو أكثر من مجرد كلمة ولكن المغزى إلى معنى الموت. جور السلام والنزاعات 2008 ، بارادايم الناشرين، 2007
كارل ساجان عالم تسكنه الشياطين(الفكر العلمى فى مواجهة الدجل والخرافة) ترجمة إبراهيم محمد إبراهيم،الهيئة المصرية العامة للكتاب ط 2006 ص 41 الأف كتاب الثانى القاهرة
التحرر الذاتى
سامح عبود
أخذت منذ أكثر من عام أكتب موضحا مبادىء و أهداف اللاسلطوية فى العديد من المقالات التى تمت ترجمة الأربعة الأخيرة منها إلى الإنجليزية ،و كانت هذه محاولة منى لتوضيح الاستراتيجية العامة الذى يتفق عليها اللاسلطويون الجماعيون للقارىْ العربى الذى يفتقد لمثل هذه النوعية من الكتابات. وقد وجهت لى خلال هذا العام العديد من التساؤلات والانتقادات ، كما تم لفت انتباهى إلى العديد من النقاط التى تحول بين بعض القراء و الأصدقاء ، وبين الاقتناع بهذه الأهداف والمبادىِء ، والتى لا أخفى عليكم أنى أشاركهم العديد منها . ذلك أنه لا قيمة للأهداف مهما كانت رائعة دون توضيح الوسائل المناسبة للوصول إليها ، و لا معنى للمبادىْ مهما كانت عظيمة إن لم تجد فرصة للتحقق فى الواقع . ولا أهمية للأحلام إن لم تكن ممكنة التحقق ، و بدون معرفة الوسائل العملية فأن كل هذه الأفكار مهما بلغت روعتها النظرية ستكون مجرد مخدرات تلهينا عن فهم الواقع و التأثير فيه.
كان أبرز ما قيل لى و اتفق معه ليس فى إطار التشاؤم ، ولكن فى إطار البحث عن الحل هو ما يلى :
أن اللاسلطوية يمكنها ككل أيديولوجية مهما كانت تحررية ، أن تستخدم لممارسة الاستبداد ، وهو فى هذه الحالة سيكون أسوء أنواع الاستبداد كونه فى هذه الحالة يمكن أن يمارس من قبل الجماهير نفسها ، والتى يسهل دفعها للزحف نحو عبوديتها ، عبر التأثير الغوغائى عليها حيث تستجيب فى غالبيتها الساحقة للإيحاء والخداع من خلال النخب والزعماء والقادة ، ليس فقط من الساسة السلطويين ، بل يمكن للاسلطويين أنفسهم أن يتحولوا لنوع من السلطة الغير مباشرة القائمة على الوعى و الريادة و التاريخ فى إطار عبادة البطولة و الزعامة .
فما هو الضمان ألا يحدث هذا ؟ ، هل هو مجرد الثقة فى أن اللاسلطويون يعلنون أيديولوجيا اللاسلطوية ، ومتى كان مجرد حمل الأفكار سواء عن إخلاص أو إدعاء معيارا للصلاحية أو الثقة إلا فى أذهان السذج الذين يحكمون على الناس بما يدعون عن أنفسهم ؟ هل هى الثقة الساذجة فى الجماهير و تقديسها و الاعتقاد فى عصمتها من الخطأ و هى نفسها التى طالما أوصلت الطغاة للحكم ، ؟. هذا يسحبنا لتخوف مشروع يدور فى أذهان الغالبية من الناس يمنعهم من أن يستمعوا إلى ما نقول و أن يناضلوا من أجله ، و هو ما الضمان فى أن لا يتكرر ما حدث دائما فى كل الثورات السابقة من ردة و انتكاسات و مذابح باسم الحرية و باسم الجماهير و بواسطتها ؟. زیاتر بخوێنەرەوە التحرر الذاتى

پێویستە لە ژوورەوە بیت تا سەرنج بنێریت.