الثورة الأناركية

 الثورة الأناركية

نستور ماخنو*

ترجمة : مازن كم الماز

1

الأناركية – هي حياة من الحرية و الاستقلال الخلاق للإنسانية .

لا تعتمد الأناركية على نظرية أو برامج , إنها تحاول أن تحيط بحياة الإنسان في كليتها . إنها تعليم , يقوم على الحياة الفعلية , ينمو متجاوزا كل القيود الاصطناعية , و لا يمكن حصرها بأي نظام .

الشكل الملموس للأناركية هو مجتمع حر غير خاضع للحكومة , يمنح الحرية , المساواة و التضامن لكل أعضائه . و توجد أسسه في الفهم الإنساني للمسؤولية المتبادلة , التي بقيت ثابتة في كل زمان ومكان . هذا الحس بالمسؤولية قادر على ضمان الحرية و العدالة الاجتماعية للجميع بواسطة جهودهم غير المدعومة من سواهم . إنها أيضا الأساس للشيوعية الحقيقية .

لذلك فالأناركية جزء من الطبيعة البشرية , و الشيوعية هي امتدادها الطبيعي .

هذا يقود إلى ضرورة صياغة النظريات الأساسية للأناركية باستخدام التحليل المادي الفعلي و المنظم . البعض ( أعداء الحرية , وأعداء التضامن ) يحاولون طمس حقائق الأناركية و التشهير بمثلها , آخرون ( المكافحون من أجل حق الإنسان بحياة لائقة ) يعملون على تطوير و إظهار مثلها . أعتقد أن غودوين , برودون , باكونين , موست , كروبوتكين , مالاتيستا , س. فاور , و غيرهم لم يعتقدوا قط أنه كان بإمكانهم إعداد شكل نهائي للأناركية , بنية من الدوغما ( العقائد الجامدة ) العلمية الثابتة التي لا تتغير , من خلال نظرياتهم . عوضا عن ذلك تمثل تعاليم الأناركية جهدا جماعيا للكشف عن جذورها في الطبيعة الإنسانية , و لإثبات أن الإنجازات الإبداعية للإنسان لم تنحرف عنها أبدا , إن الخاصية الأساسية للأناركية , نفي كل عبودية , توجد بالمثل في الطبيعة الإنسانية .

تعني الأناركية الحرية , لا يمكن للاشتراكية أن تحطم القيود أو العبودية .

أنا أناركي و ثوري شخصيا , و قد شاركت في نشاطات الشعب الثوري في أوكرانيا . الأوكرانيون شعب يدرك فطريا معنى الأفكار الأناركية و من يمثلها . لقد عانوا من ضيق لا يوصف , لكنهم لم يتوقفوا أبدا عن الحديث عن حريتهم و عن الحرية في شكل حياتهم . لقد وقعت شخصيا في  أخطاء تكتيكية غالبا في هذا الطريق الصعب و كثيرا ما كنت ضعيفا و غير قادر على محاكمة الأمور . لكن لأني فهمت بشكل صحيح الأهداف التي كنت و إخواني نعمل في سبيلها و لأني كنت قادرا على مراقبة تأثير الأناركية الحية أثناء النضال من أجل الحرية و الاستقلال . فقد بقيت مقتنعا على أساس خبرتي النضالية العملية بأن الأناركية ثورية , و متعددة و رفيعة في كل مظهر من مظاهرها كما هي الحياة الإنسانية نفسها . حتى لو أني أحسست فقط بأضعف مقدار من التعاطف مع النشاط الأناركي الثوري فإني سأستمر بدعوتك , أيها القارئ و الأخ , لتبدأ النضال في سبيل مثال الأناركية , لأنه فقط إذا ناضلت في سبيل هذا المثال و دعمته ستفهمه جيدا . إن الأناركية ثورية في هذا الجانب و في جوانب أخرى عديدة . كلما كان الإنسان أكثر وعيا كلما كانت أفكاره عن واقعه أعمق . سيدرك واقع عبوديته و ستستيقظ الروح الأناركية و الثورية فيه و تظهر نفسها في أفكاره و أفعاله . هذا صحيح لكل رجل و امرأة حتى لو لم يسمعوا بها أبدا .

تلعب الأناركية دورا هاما في إثراء الحياة الإنسانية , هذه حقيقة يدركها المستبدون تماما كما يدركها المضطهدون . يقوم المستبدون بكل ما في وسعهم ليشوهوا مثال الأناركية , أما المضطهدون فيفعلون كل ما بوسعهم لدفعها إلى الأمام . لقد نجحت الحضارة المعاصرة في جعل الأناركية معروفة أكثر حتى بالنسبة لكل من السادة و العبيد على حد سواء , لكنها لم تكن أبدا قادرة على القضاء على أو إلغاء هذا الاحتجاج الأساسي للطبيعة الإنسانية , لأنها لم تكن قادرة على سحق المفكرين المستقلين الذين أثبتوا أن الله غير موجود . ما أن جرى إثبات هذا حتى أصبح من السهل إزالة الغطاء الذي يخفي اصطناعية الكهنوت و التراتبيات الهرمية التي تدعمه .

لكن أفكار أخرى عديدة قد أعلنت إلى جانب الأناركية : “الليبرالية” , الاشتراكية و الشيوعية البلشفية . هذه المعتقدات على الرغم من تأثيرها الكبير على المجتمع المعاصر , و رغم انتصارها على كل من الرجعية و الحرية , تقوم على أساس متزعزع بسبب اصطناعيتها , و إنكارها للتطور العضوي و جنوحها نحو الشلل .

الإنسان الحر من جهة أخرى قد ألقى بعيدا بشباك الماضي جميعا مع أكاذيبها و همجيتها . لقد دفن الجثة المتعفنة للعبودية و فكرة أن الماضي أفضل . حرر الإنسان نفسه جزئيا من تشوش الأكاذيب و الهمجية , التي استعبدته منذ يوم ولادته , من عبادة الحربة ( أي السلاح – المترجم ) , المال , الشرعية و العلم المنافق .

فيم يحرر الإنسان نفسه من هذه الإهانة فإنه يفهم نفسه بشكل أفضل , و ما أن يفهم نفسه فإن كتاب حياته سيفتح له . و سيرى فيه مباشرة أن حياته السابقة لم تكن إلا عبودية بغيضة و أن بنية العبودية هذه قد تآمرت لتخنق كل ميزاته الفطرية الجيدة . و يرى أن حياته هذه قد حولته إلى وحش للواجب , عبدا لواحد من أو بعض السادة فوق الآخرين , أو إلى أحمق يدمر و يدوس على كل ما هو نبيل في الإنسان عندما يؤمر بأن يفعل ذلك . لكن عندما توقظ الحرية الإنسان فإنها ستدمر كل الأشياء الاصطناعية إلى هباء و كل ما يقف في وجه الإبداع المستقل . هكذا يتحرك الإنسان في طريق التطور . في الأزمنة الماضية كان يتحرك في مدى جيل أو ما يقارب , لكن الآن تتحرك هذه العملية سنة بعد أخرى , لا يرغب الإنسان أن يكون لجاما أكاديميا لحكم الآخرين أو أن يتحمل حكم الآخرين له . ما أن يتحرر الإنسان من آلهة الأرض و “السماء” , من “أشكال السلوك الحسن” و من أخلاقيته , التي تقوم على هؤلاء الآلهة , فإنه سيرفع صوته و يناضل ضد عبودية الجنس البشري و تشويه طبيعته .

الإنسان المحتج , الذي أدرك بالكامل هويته و الذي يرى الآن بعينين مفتوحتين تماما , الذي يتعطش اليوم للحرية و الكمال , يخلق اليوم مجموعات من البشر الأحرار الذين يشدهم إلى بعضهم البعض كل من المثل العليا و الفعل . كل من يتصل بهذه المجموعات سينبذ مرتبة التابع أو الخادم و سيحرر نفسه من الهيمنة الغبية للآخرين . أي إنسان عادي يأتي من حراثة الأرض , من المصنع , من مقعد الجامعة أو من المقعد الأكاديمي سيدرك انحطاط أو ذل العبودية . عندما يكشف الإنسان عن شخصيته الحقيقية فإنه سيلقي بعيدا بكل الأفكار الاصطناعية , التي تناضل ضد حقوقه في الوجود الشخصي , لصالح علاقة السيد – العبد في المجتمع المعاصر . ما أن يدفع الإنسان إلى المقدمة بالعناصر الصافية في شخصيته و التي سيخلق من خلالها مجتمع إنساني جديد حر , فإنه سيصبح أناركيا و ثوريا . هكذا يجري استيعاب مثال الأناركية و انتشاره بين البشر , سيدرك الناس الأحرار حقيقتها العميقة , وضوحها و نقاءها , رسالتها عن الحرية و الإبداع .

لذلك فإن فكرة الأناركية , تعليم الحياة المتجددة للإنسان كفرد و ككائن اجتماعي , مرتبطة بالوعي الذاتي للإنسان و إدراكه لدمل أو الخراج المتقيح للظلم في المجتمع المعاصر . لذلك توجد الأناركية فقط بشكل غير قانوني أو نصف قانوني , لكن ليس بشكل شرعي كامل أبدا .

في العالم المعاصر , لا يعيش المجتمع لنفسه بل للحفاظ على علاقة السيد – العبد , الدولة . يمكن للمرء أن يذهب أبعد و يقول أن المجتمع يلغي فرديته . بتعابير إنسانية إنه لا يوجد على الإطلاق . لكن يعتقد بشكل واسع أن الدولة هي المجتمع . لكن هل “المجتمع” هو مجموعة من البشر الذين يعيشون فيما يجلسون على أكتاف كل البشرية ؟ لماذا الإنسان كفرد أو كجمهور يعد بمئات الملايين هم لا شيء مقارنة بمجموعة بليدة من “القادة السياسيين” ؟ هذه الضباع , الحكام سواء من اليسار أو من اليمين , هم محقون في استيائهم من فكرة الأناركية . البرجوازية صريحة في هذا الصدد على الأقل . لكن اشتراكيي الدولة من كل التسميات بما في ذلك البلاشفة مشغولون بمقايضة أسماء حكم سلطة البرجوازية بأسماء من اختراعهم , فيم يتركون بنيتها بالضرورة دون تغيير . لذلك فإنهم يحاولون إنقاذ علاقة السيد – العبد و كل تناقضاتها . رغم أنهم مدركين أن هذه التناقضات غير قابلة للتسوية بكل معنى الكلمة مع أفكارهم الاحترافية فإنهم على الرغم من ذلك يتمسكون بها لكي يحبطوا وضع الأناركية الشيوعية موضع التطبيق . في برامجهم يقول اشتراكيو الدولة أنه يجب السماح للإنسان بأن يحرر نفسه “اجتماعيا” . لكن لا تقال حتى كلمة واحدة عن الحرية الروحية للإنسان , عن حريته الإنسانية . بدلا عن ذلك فهم يتأكدون الآن من أنه لا يمكن تحرير الإنسان خارج وصايتهم . “التحرير” تحت إدارة أي حكومة أو بنية سياسية – ما علاقة ذلك بالحرية ؟ البرجوازي  , الذي لم يكرس نفسه أبدا لمهمة جعل أي شيء جميلا أو مفيدا , يقول للعامل : “من كان عبدا لمرة واحدة فهو عبد أبدا” . لا يمكننا إصلاح الحياة الاجتماعية لأنه لدينا رأس مال كبير جدا في الصناعة و الزراعة . إضافة إلى أن الحياة المعاصرة ممتعة بالنسبة لنا , أن كل الملوك , كل الرؤساء , و أن حكوماتهم ترعى آمالنا و تنحني أمامنا . إن العبيد هم مسؤوليتهم” أو يقول : “إن حياة المجتمع المعاصر تعج بالوعود الكبرى !” .

“لا , لا !” يصرخ الاشتراكيون البرجوازيون و الشيوعيون . “إننا نختلف !!” و يسرعون بعدها إلى العمال , يقودوهم إلى الأحزاب , و يدعونهم للتمرد وفق الآتي : “اطردوا البرجوازية من مواقعهم و سلموا سلطتهم لنا. سنعمل من أجلكم . سنحرركم ” .

و هكذا فإن العمال الذي تفوق كراهيتهم للحكومة حتى أكثر من كراهيتهم لتلك الطفيليات , ينهضون في ثورة لتدمير آلة السلطة و ممثليها . لكن إما بسبب الغباء أو السذاجة فإنهم يسمحون بوصول الاشتراكية إلى السلطة . هكذا وصل الشيوعيون إلى السلطة في روسيا . هؤلاء الشيوعيين هم الحثالة الحقيقية للإنسانية . إنهم يدوسون و يقتلون الناس العاديين و يشنقون الحرية , إنهم يطلقون النار على الناس تماما كما يفعل البرجوازيون . إنهم يطلقون النار على الناس الذين يفكرون بشكل مختلف عنهم لكي يخضعوهم لسلطتهم , لكي يستعبدوهم لحساب عرش الحكومة التي استولوا عليها للتو . إنهم يستأجرون الحراس لأنفسهم و القتلة ليتعاملوا مع البشر الأحرار . تحت ثقل القيود التي خلقتها “جمهورية العمال” الجديدة في روسيا , يئن الإنسان و يتأوه كما كان يفعل تحت الحكم البرجوازي . في كل مكان آخر يئن الإنسان تحت نير البرجوازية أو الاشتراكي البرجوازي . إن الجلادين , الجدد و القدامى , أقوياء . لقد أتقنوا فن القمع التكتيكي للمعارضة , و الإنسان يثور فقط لكي يحتج في سبيل حقوقه قبل أن يسقط مرة أخرى تحت عبء السلطة و اليأس . إنه يضع يديه جانبا فيم تربط الأنشوطة أو الأحبولة حول عنقه مرة أخرى , مغلقا عينيه كعبد أمام جلاده المسرور .

من هذه المشاهد المنتشرة للبؤس الإنساني و من البؤس الفردي يجب على الإنسان أن يشكل قناعاته , يدعو بقية البشر إخوته , و يقاتل في سبيل الحرية . إن الإنسان حر فقط إذا كان مستعدا لقتل كل جلاد وكل زعيم سلطة إذا لم يرغبوا بالتوقف عن مهامهم المشينة . هو حر فقط إذا لم يعر كثير اهتمام لتغيير حكومته و إذا لم يضلل ب”جمهورية العمال” البلشفية . عليه أن يضمن إقامة مجتمع حر فعلا يقوم على المسؤولية الشخصية , المجتمع الحر الوحيد . يجب أن يكون حكمه على الدولة هو التدمير الكامل : “لا . يجب ألا يكون هذا . إلى التمرد ! انهضوا أيها الأخوة , ضد كل الحكومات , دمروا سلطة البرجوازية و لا تسمحوا للحكومات الاشتراكية و البلشفية أن تظهر إلى الحياة ! دمروا كل سلطة و اطردوا ممثليها !” .

كانت هناك حتى لحظات كانت فيها سلطة الاشتراكيين و الشيوعيين أسوأ من البرجوازية , لأنهم يدوسون على أفكارهم نفسها و يسحقونها . بعد تحسسهم أسرار مفاتيح الحكومة البرجوازية يصبح الشيوعيون مذنبين و مختلسين , إنهم لا يرغبون أن ترى الجماهير ما الذي يفعلونه , لذلك فهم يكذبون و يخدعون و يحتالون . إذا لاحظت الجماهير ذلك فإنهم ستغلي بسخط . هكذا فالحكومة تهاجمهم في عربدة من اللا مسؤولية و تسفك دماءهم باسم “الاشتراكية” و “الشيوعية” . بالطبع أن الحكومة قد ألقت منذ زمن طويل بهذه الأفكار إلى القمامة . في لحظات كهذه يكون حكم الاشتراكيين و الشيوعيين أكثر انحطاطا من حكم البرجوازية لأنه حتى غير أصيل في استعانته بآليات القمع البرجوازي . فيم تعلق الحكومة البرجوازية ثوريا ما على المشانق , فإن الحكومات الاشتراكية أو البلشفية سوف تتسلل و ستخنقه أثناء نومه أو تقتله بالحيلة . كلا الفعلين سافل أو خسيس . لكن الاشتراكيين أكثر خسة بسبب طرقهم .

أي ثورة سياسية يتصارع فيها البرجوازيون , الاشتراكيون و شيوعيو الدولة مع بعضهم البعض على الهيمنة السياسية فيم يقحمون الجماهير التي تظهر الخصائص المذكورة أعلاه , فإن المثال الأكثر وضوحا هو الثورات الروسية في فبراير شباط وأكتوبر تشرين الأول 1917 . عندما أحست الجماهير العاملة التي كونت روسيا القيصرية أنها قد تحررت جزئيا من الرجعية , بدأت العمل باتجاه الحرية الكاملة . عبرت هذه الجماهير عن رغبتها بتجريد ملاك الأرض و الأديرة من الملكية أما بقية الأعمال فقد جرى الاستيلاء عليها من قبل الذين يعملون فيها . بذلت محاولات لخلق الاتصال بين البلدات و القرى . و فيم كانوا منخرطين في هذا النشاط كان الناس بالطبع غير مدركين أن هناك حكومات قد تشكلت في كييف , خاركوف , سانت بطرسبرغ و أماكن أخرى . كان الناس في الحقيقة يضعون الأساس لمجتمع جديد حر سيطرد كل الطفيليات و الحكومات و حماقة السلطة . هذا النشاط السليم كان ملحوظا بشكل خاص في الأورال , في سيبيريا , و في أوكرانيا . و قد جرى التعليق عليه من قبل الأنظمة القديمة كما الجديدة في بتروغراد , موسكو , كييف و تفليس . لكن الاشتراكيين مثلهم مثل البلاشفة كان لديهم ( و ما يزال ) عضوية حزبية منتشرة بشكل واسع و شبكة جيدة التوزيع من القتلة المحترفين . يجب هنا أن نضيف أنه إضافة إلى هؤلاء القتلة المحترفين , فإنهم قد استخدموا أناسا من كوادرنا . بمساعدة هؤلاء الناس تمكنوا من تقزيم حرية الشعب إلى مجرد جنين . وقد قاموا بعمل جيد . إن محاكم التفتيش الإسبانية كانت لتبدو مغفلة أو خرقاء مع شيء من الحسد أمامهم .

إننا نعرف الآن الحقائق الفعلية وراء الحكومات . للبلاشفة و الاشتراكيين نقول :”يا للعار ! يا للخزي ! لقد تحدثتم كثيرا عن إرهاب البرجوازية و قد أخذتم جانب الثورة بحماسة شديدة . و لكن الآن و أنتم في السلطة أظهرتم أنفسكم مثل نفس الأغبياء القدامى نفس خدام البرجوازية , و عبيدا لأساليبهم . لقد حولتم أنفسكم إلى برجوازية” . بالنظر إلى تجارب الشيوعية البلشفية أثناء السنوات الحالية تعرف البرجوازية على نحو كامل أن هذا الصنف الخاص من الاشتراكية لا يمكنه أن يتدبر أموره دون استخدام أساليبهم أو دون استخدامهم شخصيا . إنها تعرف أن استغلال و اضطهاد الغالبية العاملة متأصل في هذا النظام , و أن الحياة الشريرة للكسل لم تلق بعيدا في الاشتراكية , بل إنها فقط مجرد تنكر تحت اسم آخر قبل أن تنتشر و تتأسس مرة أخرى .

هذه هي الحقيقة ! عليك فقط أن تنظر إلى تخريب البلاشفة و احتكارهم لانتصارات الشعب الثورية ! انظر إلى جواسيسهم , بوليسهم , قوانينهم , سجونهم , سجانيهم , و جيوشهم من الوكلاء . إن الجيش “الأحمر” هو فقط نفس الجيش القديم تحت اسم جديد .

الليبرالية , الاشتراكية , البلشفية , هم ثلاثة إخوة يذهب كل منهم في طريق مختلفة لانتزاع السلطة على الإنسان . تستخدم هذه السلطة لإعاقة تقدم الإنسان نحو تحقيق الذات و الاستقلالية .

إلى التمرد !

هذه هي صرخة الثوري الأناركي للمستغلين . أيها الثائر , دمر كل حكومة و تأكد ألا تتأسس من جديد . تستخدم السلطة من قبل أولئك الذين لم يعيشوا بالفعل من عمل أيديهم . سلطة الحكومة لن تسمح للعمال حتى بملامسة الطريق إلى الحرية , إنها أداة الكسالى الذين يريدون السيطرة على الآخرين , و لا يهم إذا كانت السلطة في أيدي البرجوازية , الاشتراكيين , أو البلاشفة , إنها منحطة . لا توجد حكومة دون أسنان , أسنان لتمزق أي إنسان يتشوف إلى حياة حرة وعادلة .

أيها الأخ , اطرد السلطة بنفسك . لا تجعلها تستميلك أبدا أو تستميل إخوتك . إن حياة جماعية بالفعل لا تبنى بالبرامج أو بالحكومات بل بحرية الجنس البشري , بإبداعه و استقلاليته .

إن حرية أي فرد تحمل ضمنها بذرة مجتمع حر وكامل دون حكومة , مجتمع حر يعيش في تكامل عضوي و غير مركزي , متوحدا في سعيه إلى الهدف الإنساني العظيم : الأناركية الشيوعية !

2

الشيوعية الأناركية هي مجتمع عظيم في تناغم كامل . إنه يتشكل بشكل طوعي من الأفراد الأحرار الذين يشكلون جمعيات و اتحادات بحسب حاجتهم . تناضل الأناركية الشيوعية ضد كل الشرور و كل ظلم متأصل في الحكومات .

يهدف مجتمع حر غير محكوم إلى تجميل الحياة بالعمل الفكري و اليدوي . سيمتلك كموارد له كل ما أعطته الطبيعة للإنسان إضافة إلى ثروات الطبيعة التي لا تنضب , سيجعل الإنسان ثملا من جمال الأرض و منتعشا بحريته الخاصة التي صنعها هو بنفسه . ستسمح الأناركية الشيوعية للإنسان بتطوير استقلاله الإبداعي في كل الاتجاهات , سيكون أتباعها أحرارا و سعيدين بالحياة , يوجههم العمل الأخوي و التبادلية أو المقابلة بالمثل . لن تكون هناك حاجة لسجون , لجلادين , جواسيس أو عملاء , الذين هم جميعا نتاجا للبرجوازية و للاشتراكيين , لأنه لن تكون هناك حاجة للسارق و القاتل الغبي الذي هو الدولة . أعدوا أنفسكم أيها الإخوة لخلق هذا المجتمع ! أعدوا المنظمات و الأفكار ! تذكروا أنه يجب أن تكون منظماتكم سليمة من الهجوم . إن عدو حريتكم هو الدولة المشخصنة في خمسة أشخاص :

–         مالك الملكية

–         محب الحروب

–         القاضي

–         الكاهن ( أي رجل الدين – المترجم )

–         الأكاديميون الذين يشوهون الحقيقة عن الإنسان

هؤلاء الأخيرين يضعون “القوانين التاريخية” و “النماذج القانونية” , و يخربشون بشكل أملس أو بارع لكي يحصلوا على المال , إنهم مشغولون كل الوقت بمحاولة إثبات صحة مزاعم الأربعة الأوائل بالسلطة التي تؤدي إلى انحطاط الحياة البشرية .

إن العدو قوي . لقد صرف وقته لآلاف السنوات مراكما الخبرة في السرقة , العنف , الاستباحة و القتل . لقد مر بأزمة داخلية لكنه اليوم مشغول بتغيير مظهره الخارجي , لكنه يفعل ذلك فقط لأن حياته كانت مهددة من قبل معرفة جديدة ناشئة . هذه المعرفة الجديدة توقظ الإنسان من نومه الطويل , و تحرره من مواقفه المسبقة التي غرسها فيه هؤلاء الخمسة , مانحة إياه سلاحا ليقاتل في سبيل مجتمعه الحقيقي . هذا التغيير في المظهر الخارجي لعدونا يمكن رؤيته في الإصلاحية . لقد ظهرت لتحارب الثورة التي شاركت فيها . في الثورة الروسية , بدا أن الخمسة قد اختفوا من على وجه الأرض … لكن هذا كان ظاهريا فقط . في الحقيقة لقد غير عدونا ملامحه مؤقتا و هو الآن يحشد مجندين جدد ليقاتلوننا . الشيوعية البلشفية هي كاشفة في هذا الصدد , لكن سيمر وقت طويل قبل أن ينسى هذا المذهب نضال الإنسان في سبيل الحرية الحقيقية .

الطريقة الوحيدة الموثوقة لشن نضال ناجح ضد الاستعباد هي الثورة الاجتماعية التي تشارك فيها الجماهير في نضال متواصل ( تطور ) . عندما تندلع أولا , تكون الثورة الاجتماعية بدائية . إنها تمهد الطريق لمنظماتها الخاصة فيم تحطم أي سد يقام ضدها بشكل اصطناعي . هذه السدود في الواقع تزيد قوتها فقط . يعمل الثوريون الأناركيون بالفعل من أجل هذا , و كل إنسان يدرك ثقل العبودية عليه , فإن عليه واجب مساعدة الأناركي , في نفس الوقت كل إنسان يجب أن يشعر أنه مسؤول عن كل الإنسانية عندما يناضل ضد خمسة الدولة . يجب على كل إنسان أن يذكر أيضا أن الثورة الاجتماعية ستحتاج إلى طرق مناسبة للتحقق , هذا صحيح خاصة للأناركي الذي يستكشف طريق الحرية . أثناء المرحلة التدميرية للثورة فيم يجري حظر العبودية و تبدأ الحرية بالانتشار في انفجار بدائي , فإن المنظمات و الطرق الحازمة ضرورية لضمان المكاسب . في هذه المرحلة تحتاج الثورة إليك بشكل اضطراري جدا . الثورة الروسية , التي لعب فيها الأناركيون دورا هاما ( الذي لم يستطع الأناركيون النهوض به لأنهم قد حرموا الفعل ) , جعلتنا ندرك حقيقة أن الجماهير التي حررت نفسها من قيودها لم تكن لديها الرغبة لوضع قيود على الآخرين من صنع مختلف . في زخمها الثوري فقد سعت هذه الجماهير على الفور إلى بناء منظمات حرة التي لن تساعد فقط في جهودها لبناء مجتمع جديد بل و التي ستدافع عنها ضد العدو . إذا نظرنا لهذه العملية عن قرب , فإننا نصل إلى استنتاج أن أفضل طريقة لخلق حرية جماعية جديدة هي “السوفييت الحر” . انطلاقا من هذا الاستنتاج سيدعو الثوري الأناركي المستعبدين للنضال في سبيل هذه الاتحادات الحرة . سيؤمن أن الثورة الاجتماعية ستخلق لذلك الحرية فيما تسحق العبودية في نفس الوقت . يجب تثمين هذا الإيمان و الدفاع عنه . الأشخاص الوحيدون الذين يمكن أن يكونوا جاهزين للدفاع عن هذا الإيمان هم الجماهير نفسها التي صنعت الثورة و التي تساوي حياتها بمبادئها . فيم تخلق الجماهير البشرية الثورة فإنها تبحث بشكل فطري عن اتحادات حرة و تعتمد على أناركيتها المتأصلة فيها , سوف تتمسك قبل أي شيء آخر بالسوفييت الحر . عندما تصنع الجماهير الثورة فإنها ستتعلق بإيجاد هذه السوفييتيات بنفسها و على الأناركي أن يساعد في صياغة هذا المبدأ .

الصعوبات الاقتصادية في المجتمع الحر ستحل من خلال تعاونيات المنتجين – المستهلكين و التي ستعمل السوفيتيات الحرة فيها كمنسقين و شارحين . يجب أن تكون طبيعة السوفيتيات الحرة أثناء الثورة الاجتماعية في توحيد و تقوية موقف الجماهير بحثهم على أن يأخذوا إرثهم الشرعي ( الأرض , المعامل , الورشات , مناجم الفحم و المعادن , السفن ,الغابات , الخ ) بأيديهم . فيم تشكل مجموعات وفقا للمصلحة أو الرغبة , ستبني الجماهير نسيجا اجتماعيا بالكامل بشكل حر و مستقل .

سيتطلب النضال في هذا الطريق تضحيات كبرى , لأنه سيكون الجهد الأخير لإنسان حر تقريبا . في هذا النضال لن يكون هناك أي تردد , و لا عواطف . الحياة أو الموت ؟ – هذا السؤال سيطرح أمام كل إنسان يكترث لحقوقه و أفراد البشرية أولئك الذين يناضلون من أجل حياة أفضل . فيم ستكون الأرجحية لغرائز الإنسان السليمة فإنه سينطلق على هذا الطريق إلى الحياة كمنتصر و كخالق .

نظموا أنفسكم أيها الإخوة , ادعوا كل فرد إلى قواتكم . ادعوه من المصنع , من المدرسة , ادعوا الطلاب و المثقفين . قد لن يأتي 9 من أصل 10 أكاديميين إليكم , و قد يتصادف أن يأتوا لكي يخدعوكم إذا كانوا خدما لخمسة الدولة . لكن الرجل العاشر سيأتي . سيكون صديقكم و سيساعدكم على التغلب على خداع البقية . نظموا أنفسكم , ادعوا كل فرد إلى قواكم , طالبوا كل الحكام أن يوقفوا غباءهم و معاملة الحياة الإنسانية بوحشية . إذا لم يكفوا , انزعوا سلاح البوليس , و الجيش و بقية منظمات دفاع الخمسة . أحرقوا قوانينهم و دمروا سجونهم , اقتلوا الجلادين , سم البشرية . دمروا السلطة ! ادعوا إلى قواكم الجيش المؤلف من كتائب التجنيد , هناك الكثير من القتلة في الجيش الذين هم ضدكم و الذين تتم رشوتهم ليقتلوكم . لكن هناك أصدقاء لكم حتى في الجيش . سيوقع هؤلاء البلبلة في عصابات القتلة و سيسارعون إلى جانبكم .

بعد أن تجمعوا أنفسكم في عائلة عالمية كبرى , أيها الأخوة , سنذهب أبعد في النضال ضد الظلام . وفقا للمثال الإنساني الشامل ! سنعيش كإخوة , و لن نستعبد أحدا . سيكون الرد على القوة الهمجية للعدو بقوة جيشنا الثوري . إذا لم يتفق أعداءنا مع مثالنا سنرد ببناء حياتنا التي تقوم على المسؤولية الفردية . فقط عدة مئات من المجرمين الذين ينتمون إلى الخمسة لن يرغبوا بالسير في الطريق إلى حياة جديدة بنشاط مثمر . سيحاولون قتالنا لكي يستعيدوا السلطة . و يجب أن يموتوا .

ليحيا المثال الأعلى للتناغم الإنساني الشامل , و نضال الإنسان في سبيله !

ليحيا المثال الأعلى للمجتمع الأناركي !

نقلا عن    http://www.nestormakhno.info/index.htm

نستور ماخنو: أناركي أوكراني شارك في الأحداث العاصفة لثورة أكتوبر و شكل جيشا فلاحيا – عماليا قام بحرب الأنصار ضد الحرس الأبيض و جيوش التدخل الخارجي و القوميين الأوكرانيين . رغم دوره الكبير في هزيمة كل هؤلاء قام الحكم الجديد بسحق الجيش الماخنوفي بقيادة مباشرة من تروتسكي . لعب بعد ذلك دورا هاما في صياغة تجارب الأناركيين الروس في الثورة الروسية .

التضامن في الحرية : طريق العمال إلى الحرية

التضامن في الحرية : طريق العمال إلى الحرية ( 1867

ميخائيل باكونين

ترجمة : مازن كم الماز

انطلاقا من هذه الحقيقة عن التضامن أو الإخاء العملي في النضال التي حددتها على أنها المبدأ الأول لمجلس الأعمال تنشأ صيرورة نظرية ذات أهمية مساوية لذلك المبدأ . أن العمال قادرون على أن يتوحدوا كطبقة للقيام بفعل اقتصادي طبقي لأن كل الأديان و الفلسفات و منظومات الأخلاق التي تسود في أي نظام محدد للمجتمع هي دوما تعبير مثالي عن وضعيتها الفعلية المادية . أن علوم اللاهوت , الفلسفات و الأخلاق تتحدد , قبل أي شيء , وفق التنظيم الاقتصادي للمجتمع , و ثانيا التنظيم السياسي , الذي هو نفسه ليس إلا التكريس القانوني و العنيف للنظام الاقتصادي . بالنتيجة لا توجد أديان عدة للطبقة الحاكمة , هناك دين واحد فقط , دين الملكية ( أي الملكية الخاصة – المترجم ) . و لا توجد هناك عدة أديان للطبقة العاملة : بل هناك دين واحد فقط , إنها تدين بالنضال , طيف الانعتاق الذي يكشف و يخترق تشوش كل موقف إيماني و يجد تعبيره في ألف صلاة . العمال من كل الأديان , مثل العمال من كل البلاد , لديهم معتقد واحد فقط , أمل واحد , و محبة واحدة فقط , هدف واحد جماعي يتجاوز حواجز الكراهية الظاهرية للعرق و الدين . إن العمال طبقة واحدة , و لذلك فهم عرق واحد , معتقد واحد , شعب واحد . هذه هي الحقيقة النظرية التي يجب تحفيزها من ذلك التضامن الأخوي العملي لتنظيم مجلس الأعمال . تتم تصفية الكنيسة و الدولة داخل التنظيم الأساسي للطبقة العاملة , الحارسة للبشرية الحرة.

لقد قيل أن البروتستانتية قد أسست للحرية في أوروبا . هذا خطأ كبير . إنه الانعتاق الاقتصادي و المادي للطبقة البرجوازية هو الذي خلق , بغض النظر عن البروتستانتية , تلك الحرية السياسية و القانونية حصريا , و التي تخلط بسهولة شديدة مع الحرية الإنسانية الشاملة الرائعة , التي يمكن فقط للبروليتاريا أن تخلقها . إن الملازم الضروري للحرية البرجوازية السياسية و القانونية , بغض النظر عن المظاهر المناقضة , هو الانعتاق الثقافي , المناهض للمسيحية , و المعادي للدين , للبرجوازية . ليس للطبقة الحاكمة الرأسمالية دين , أو مثل عليا أو أوهام . إن هذا من السخرية و يصعب تصديقه لأنها تنكر الأساس الحقيقي للمجتمع الإنساني , الانعتاق الكامل للطبقة العاملة . يجب على المجتمع البرجوازي , بسبب طبيعته الاحترافية صاحبة المصلحة بالذات , أن يصون مراكز السلطة و الاستغلال التي تسمى بالدول . إن العمال , بسبب حاجاتهم الاقتصادية بالذات , يضعون ثقتهم بتحدي مراكز الاضطهاد هذه.

إن المبادئ الجوهرية للوجود الإنساني تتلخص بالقانون الوحيد للتضامن . هذه هي القاعدة الذهبية للإنسانية و يمكن التعبير عنها ب : لا يمكن لأي فرد أن يدرك أو أن يحقق إنسانيته الخاصة إلا عبر إدراكها في الآخرين و بالتالي أن يتعاون لتحقيقها مع كل فرد و من قبل الجميع , أنه لا يمكن لأي إنسان أن ينجز انعتاقه الخاص من دون انعتاق كل البشر من حوله.

إن حريتي هي حرية كل إنسان . لا يمكن أن أكون حرا في الفكر حتى أصبح حرا في الواقع . أن أكون حرا في الفكر و غير حر في الواقع يعني أن أثور . أن أكون حرا في الواقع يعني أن أملك حريتي و حقي , و أن أجد تثبيتها و قبولها في حرية و حق كل البشر . إنني أصبح حرا فقط عندما يصبح كل البشر مساوين لي ( أولا و أكثر (أهمية اقتصاديا.

ما الذي يجعل كل بقية البشر على هذا القدر من الأهمية بالنسبة لي . مهما كنت أتخيل نفسي مستقلا , مهما بدا أنني بعيد جدا من اعتبارات وضعيتي الاجتماعية , فإنني محكوم ببؤس أحقر فرد في المجتمع . إن المتشرد هو تهديدي اليومي . سواء أكنت البابا , القيصر , الإمبراطور , أو حتى رئيس الوزراء , فإنني على الدوام نتيجة ظروفي , المنتوج الواعي لجهلهم و عجزهم و تذمرهم . إنهم يعيشون في عبودية , و أنا , الفرد المتفوق , مستعبد بالنتيجة أيضا .

على سبيل المثال إذا كانت هذه هي القضية , إذا كنت رجلا مستنيرا أو ذكيا . لكنني غبي بحماقة الناس , إن حكمتي تصعقها حاجاتهم , و ينشل عقلي . أنا رجل شجاع , لكنني جبان بخوف الناس . يرعبني بؤسهم , و أضمحل كل يوم بسبب النضال من أجل الحياة . تصبح وظيفتي مجرد مناورة الحياة . كرجل غني , فإنني أرتجف من فقرهم , لأنه يهدد بابتلاعي . أكتشف أنني لا أحمل ثروة داخلي , لا ثروة إلا تلك المسروقة من الحياة الجماعية للناس العاديين . كرجل محظوظ , أصبح شاحبا أمام مطلب الجماهير بالعدالة . أشعر بالخطر في هذا المطلب . هذه الدعوة نذير شؤم و أنا هنا أصبح عرضة للخطر . إنه شعور الشرير بالفزع , و هو ما يزال ينتظر اعتقاله الحتمي . إن حياتي متميزة و مسروقة . لكنها ليست حياتي . تنقصني الحرية و القناعة . باختصار , أتمنى أن أكون حرا , رغم أنني حكيم و شجاع و غني و محظوظ , لا يمكنني أن أكون حرا لأن زملائي الحاضرين لا يرغبون بأن يصبح البشر أحرارا , و لأن الجماهير , التي تنبعث منها كل الحكمة و الشجاعة و الثروات و الامتيازات , لا تعرف كيف تحمي حريتها . إن عبودية الناس العاديين تجعلهم أدوات بيد اضطهادي . لكي أكون أنا حرا , يجب أن يتحرروا هم أيضا . علينا أن نستولي على الخبز و نظريات التحليل النفسي عموما.

إن الحرية الإنسانية الحقيقية لفرد واحد تتضمن انعتاق الجميع : لأنه لا يمكنني , بفضل قانون التضامن , الذي هو الأساس الطبيعي للمجتمع الإنساني , أن أشعر و أعرف نفسي حقيقة و بحرية كاملة إذا لم أكن محاطا ببشر أحرار مثلي تماما . إن عبودية أي منهم هي عبوديتي.

ينتج عن هذا أن قضية الحرية الفردية ليست قضية شخصية بل قضية اجتماعية اقتصادية تعتمد على تحرير البروليتاريا لتحقيقها . هذا , بدوره , يتضمن التنظيم العفوي و القدرة على الفعل الاقتصادي و الاجتماعي من خلال التجميع الطوعي و الحر لكل منظمات العمال في مجلس الأعمال . التي تتشكل منها المنظمة الحمراء.

Related Link: http://www.ahewar.org/m.asp?i=1385

(المنظمة الحمراء (1870

المنظمة الحمراء 1870

إن الحرية السياسية من دون مساواة اقتصادية هي مجرد زعم , احتيال , كذبة , و العمال لا يريدون الأكاذيب

يسعى العمال بالضرورة إلى التحويل الجذري للمجتمع , الذي يجب أن تكون نتيجته إلغاء الطبقات , سواء في الاقتصاد أو في السياسة , سعيا وراء نظام مجتمعي سيدخل فيه كل البشر إلى هذا العالم تحت ظروف خاصة , أي سيكونوا قادرين على كشف حقيقتهم و تطوير أنفسهم , أن يعملوا و يستمتعوا بالأشياء الجيدة في الحياة . هذه هي ضرورات العدالة.

 

لكن كيف يمكننا انطلاقا من جحيم الجهل و البؤس و العبودية التي يغرق فيها عمال المزارع و المدن , أن نبلغ تلك الجنة , و نحقق العدالة و الطبيعة الإنسانية ؟ لإنجاز هذا لدى العمال وسيلة واحدة : اتحاد المجالس.

 

يقوي العمال أنفسهم من خلال هذا الاتحاد , يعززون بعضهم بعضا بشكل متبادل , و عبر جهودهم الخاصة , و يضعون حدا لذلك الجهل الخطر الذي هو الدعامة الأولى لعبوديتهم . من خلال هذا الاتحاد , فإنهم يتعلمون كيف يساعدوا و يدعموا بعضهم البعض بشكل متبادل . و هكذا سيحصلوا أخيرا على قوة ستثبت أنها أكثر جبروتا من كل رأس المال البرجوازي المتحد و السلطات السياسية بمجموعها .

 

يجب أن يكون المجلس ذلك الاتحاد في إدراك كل عامل . يجب أن يصبح كلمة السر لكل تنظيم سياسي و احتجاجي للعمال , كلمة السر لكل مجموعة , في كل صناعة و في كل مزرعة . من دون شك فإن هذا المجلس هو الرمز الأكثر وزنا و الأكثر وعدا بتحقيق الآمال للنضال البروليتاري كنذير مؤكد النجاح للانعتاق الكامل القادم للعمال . أثبتت التجربة أن الاتحادات المعزولة ليست أكثر قوة من العمال المعزولين . حتى اتحاد كل جمعيات العمال في بلد واحد لن يكون قويا بما فيه الكفاية ليصمد في نزاع ضد التجمع الدولي لكل الرأسمال العالمي المشغول بخلق الأرباح . يثبت علم الاقتصاد حقيقة أن انعتاق العمال ليس قضية وطنية . لا يوجد أي بلد , مهما كان غنيا قويا أو معتمدا على نفسه , يمكنه أن يقوم بتغيير جوهري في علاقة رأس المال و العمل – من دون تدمير نفسه و تسليم مواطنيه للبؤس – , إذا ما لم يتم إنجاز هذا التغيير , في نفس الوقت , على الأقل , في الجزء الأكبر من البلاد الصناعية في العالم . بالنتيجة فإن مسألة انعتاق العمال من نير رأس المال و ممثليه , الرأسماليون البرجوازيون , هو فوق كل شيء قضية عالمية . فالحل ممكن فقط إذا من خلال حركة أممية.

 

هل هذه الحركة العالمية فكرة سرية , مؤامرة ؟ على الإطلاق . إن هذه الحركة الأممية , اتحاد المجالس , لا تفرض من أعلى أو تخطط سرا . إنها تقوم بالتوحيد من أسفل من آلاف المناطق . إنها تنطق بلسان كل مجموعة من العمال و تعتنق القرار المشترك لكل الفصائل . إن المجلس هو ديمقراطية حية : في كل مرة يضع فيها الاتحاد الخطط , فإنه يفعل ذلك علنا , و يتحدث إلى جميع من سيستمع إليه . إن كلمته هو صوت العمل الذي يسخر كل طاقاته للإطاحة بالاضطهاد الرأسمالي.

 

ما هو رأي المجلس ؟ ما هو الشيء الذي يطالب به كل اتحاد من هؤلاء الذين يكدحون و يفكرون , في كل مصنع , في كل مزرعة ؟ ما الذي يدعون إليه ؟ العدالة ! أقصى عدالة ممكنة و أوسع حقوق الإنسان : حقوق الرجال و النساء و الأطفال , بصرف النظر عن كل الفروق في الولادة , العرق , أو العقيدة . إنه حق الحياة و توفير العمل لصون ذلك الحق . مساعدة كل فرد للجميع و الجميع لكل فرد . إذا بدت هذه الفكرة مخيفة و هائلة للمجتمع البرجوازي القائم , فإن هذا يسوء هذا المجتمع فقط . هل مجلس العمل هو مشروع ثوري ؟ نعم و لا.

 

إن مجلس العمل هو ثوري بمعنى أنه سوف يستبدل مجتمعا يقوم على الظلم , الاستغلال , الامتيازات , الكسل , و السلطة , بمجتمع يقوم على العدالة و الحرية لكل البشرية . بكلمة , إنه يريد تنظيما اقتصاديا و سياسيا و اجتماعيا سيجد فيه كل إنسان , من دون تمييز وفقا لخصائصه الطبيعية و الفردية , أنه من الممكن بشكل متساوي مع البقية أن يطور نفسه , أن يتعلم , أن يفكر , أن يعمل , أن يكون فعالا , أن يستمتع بالحياة بشكل جدير بالإنسان . نعم , هذا ما يريده , و نعيد مرة أخرى , إذا كان هذا يتناقض مع النظام الحالي للمجتمع , فإن هذا يسوء هذا المجتمع وحده.

 

هل مجلس العمل هو ثوري بمعنى المتاريس و الانتفاضة العنيفة أو التظاهر ؟ لا , إن المجلس يشغل نفسه قليلا فقط بها النوع من السياسة أو بالأحرى يجب على المرء أن يقول أن المجلس لا يشارك فيه أبدا . إن الثوار البرجوازيين , القلقين من تغيير ما في السلطة , و عملاء البوليس يجدون وظيفة في وضع متفجرات صوتية و محاولة إثارة الهياج , منزعجون جدا من مجلس العمل بسبب عدم اكتراث المجلس لنشاطاتهم و مؤامراتهم للتحريض.

 

مجلس العمل , المنظمة الحمراء لأولئك الذين يريدون و يكدحون , الذين استوعبوا منذ زمن طويل أن كل سياسي برجوازي – لا يهم كم يبدو أحمرا أو ثوريا – يخدم , لا انعتاق العمال – بل تشديد عبوديتهم . حتى إذا لم يستوعب المجلس هذه الحقيقة , فإن اللعبة البائسة , التي يلعبها من وقت لآخر الجمهوريون البرجوازيون و حتى الاشتراكيون البرجوازيون سوف تفتح عيون العمال.

 

إن مجلس العمل , الذي يتطور بشكل أكثر كمالا في حركة العمال الأممية , يبقي نفسه بعيدا عن هذه الحيل السياسية الكئيبة , و يعرف اليوم سياسة وحيدة فقط : لكل مجموعة و لكل عامل , دعايته , توسعه و تنظيمه في العمل و النضال . في اليوم الذي يتوحد فيه قسم كبير من عمال العالم من خلال مجلس العمل , و يتنظمون على نحو ثابت من خلال مجلس العمل , و يتنظمون بشكل متماسك فوق انقساماتهم في حركة تضامنية واحدة , لن تكون أية ثورة , بمعنى الثورة العنيفة , ضرورية . من هنا سنرى أن الأناركيين لا يؤيدون العنف العقيم التي ينسبه إليه أعداؤهم . من دون عنف , ستنتصر العدالة . ستتم تصفية الاضطهاد من قبل القوة المباشرة للعمال من خلال اتحادهم . و إذا ظهرت في ذلك اليوم , دعوات نافذة الصبر و بعض المعاناة , فإنه سيكون ذنب البرجوازية التي رفضت أن تعترف بما كان يحدث بسبب مكائدهم . بالنسبة لتحقيق انتصار الثورة الاجتماعية نفسها فإن العنف لن يكون ضروريا .

 

ترجمة : مازن كم الماز

ما هي الأناركية الشيوعية / الجزء الثانى: ليس العنوان و إنما المضمون هو ما يهم

ما هي الأناركية الشيوعية

الجزء الثانى: ليس العنوان و إنما المضمون هو ما يهم

واين برايس
ترجمة : تامر موافي

و بالتالى فإن القول بأن الشروط التكنولوجية اللازمة للشيوعية الكاملة موجودة هو صحيح بالتأكيد و لكنه صحيح ضمنيا .. فالإنسانية تمتلك المعرفة التقنية و المهارات الضرورية لبناء عالم من الوفرة يتيح وقت فراغ للجميع و بشكل متوازن مع العالم الطبيعى و لكن الأمر سيتطلب كثيرا من العمل بعد الثورة لخلق هذا العالم.

فى القرن التالى لكتابات كروبوتكين و ماركس كان ثمة تزايدا هائلا فى الإنتاجية .. طوال آلاف من السنين كان على 95% إلى 98% من البشر أن ينخرطوا فى إنتاج الغذاء بشكل أو بآخر .. و لكن اليوم إنعكست النسبة ففى الولايات المتحدة مثلا يعمل 2% إلى 3% فقط فى الزراعة .. بالمثل بالنسبة للمصانع المميكنة يؤكد البعض أن بالإمكان إنتاج ما يكفى لحياة مريحة لكل إنسان .. يمكن لعدد من يتطوعون للعمل أن يكون أكبر مما هو مطلوب للوظائف الضرورية .. يمكن لإقتصاد صناعى تعاونى و مخطط ديموقراطيا أن يمنح كل إنسان الكثير من وقت الفراغ .. هذا أساسى لأى مجتمع ينبنى على الديموقراطية من أسفل إلى أعلى .. فى جميع الثورات السابقة، بمجرد إنقضاء الإضطرابات عادت الجماهير إلى طاحونة العمل اليومى فيما توافر لقلة فقط الوقت لإدارة الأمور فعليا .. مع توافر وقت الفراغ للجميع فإنهم سيكونون أحرارا بما يكفى لأن يديروا ذاتيا أماكن السكن و العمل و المجتمع فى مجمله.

بإختصار توجد كافة الشروط التكنولوجية اللازمة للشيوعية التحررية الكاملة التى أسماها ماركس “المرحلة العليا للشيوعية” .. و من ثم فقد جادل البعض بأنه من الممكن التقدم فورا إلى الشيوعية الكاملة بمجرد أن تتحقق الشروط الإجتماعية و السياسية .. ولكننى لا أعتقد أن هذا صحيح.

السبب الوحيد هو أن التكنولوجيا الإنتاجية التى نملكها هى تكنولوجيا خلقتها الرأسمالية و لأجل الرأسمالية و هى عالية الإنتاجية فقط وفق شروط إنجاز الأهداف الرأسمالية أى مراكمة رأس المال .. وفق شروط أخرى هى فى الواقع تهدر قدرا هائلا من الموارد و هى مدمرة و ملوثة للبيئة مما يعرض عديد من أنواع الكائنات الحية للإنقراض و هى تستنفذ الموارد غير المتجددة و تختزن القنابل النووية و تتسبب فى الإحتباس الحرارى. وفق الشروط الإنسانية تم تنمية هذه التكنولوجيا عمدا لتحجيم العمال و لتحول بيننا و بين التفكير و لتحافظ على الهرمية الإجتماعية .. لذا ففى أعقاب الثورة سيكون على العمال إعادة بناء التكنولوجيا الصناعية لجعلها قابلة للإستمرار دون إلحاق الضرر بالبيئة و للتخلص من الإنقسام بين من يعطون الأوامر و من يتلقونها .. ينبغى لنا أن نخلق تكنولوجيا جديدة منتجة بشكل يحفز الإبداع الإنسانى و التناغم البيئى.

الحاجة إلى إنتاج عالمى متزايد

أيضا و بالرغم من أن أمريكا الشمالية و أوروبا الغربية و اليابان و قليل من الأماكن الأخرى لديها الكثير من التكنولوجيا الحديثة إلا أن هذا ليس هو حال غالبية العالم .. ما يسمى بالعالم الثالث ليس تصنيعيا بالقدر الكافى أو المتوازن حاليا .. هذه البلدان التى يتم إفقارها و إستغلالها لا تمتلك من الثروة أو الصناعة ما يكفى أن تتجه حتى إلى المرحلة الأدنى للشيوعية (التى يسميها لينين مرحلة الإشتراكية) ناهيك عن أن تحقق الشيوعية الكاملة .. يمكن للعمال و الفلاحين أن ينتزعوا السلطة فى بلدانهم و ينشئون نظاما من المجالس العمالية و المجالس الشعبية و لكن لتدعيم مسيرتهم إلى الشيوعية سيكون عليهم إشعال الثورة فى البلدان الصناعية الإستعمارية حتى يحصلوا على معونة شعوبها.

أنا لا أتفق مع الشيوعيين المجالسيين و غيرهم من الماركسيين الذين يدعون أن الأمم المقموعة يمكنها فقط القيام بثورات برجوازية بل إنى أعتقد على العكس من ذلك أن عمال و فلاحى هذه الأمم يمكنهم الإطاحة بالبرجوازية المحلية ثم ينشرون الثورة إلى البلدان الصناعية التى ستساعدهم فى التنمية وصولا إلى الشيوعية .. هذه الرؤية تناقض مفهوم ستالين عن بناء الإشتراكية فى بلد واحد لأن قدرا كبيرا من المساعدة من قبل الأجزاء الصناعية من الكوكب ستحتاجه تنمية إفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية بشكل إنسانى و ديموقراطى و متوازن بيئيا.

و بالتالى فإن القول بأن الشروط التكنولوجية اللازمة للشيوعية الكاملة موجودة هو صحيح بالتأكيد و لكنه صحيح ضمنيا .. فالإنسانية تمتلك المعرفة التقنية و المهارات الضرورية لبناء عالم من الوفرة يتيح وقت فراغ للجميع و بشكل متوازن مع العالم الطبيعى و لكن الأمر سيتطلب كثيرا من العمل بعد الثورة لخلق هذا العالم.

مراحل الشيوعية

لهذه الأسباب تصور الشيوعيون التحرريون دائما أن يتحقق التغيير نحو مجتمع شيوعى كامل عبر فترة زمنية و بشكل مرحلى فى أعقاب الثورة .. إقترح ماركس المرحلتين العليا و الدنيا للشيوعية و عبر باكونين عن الشيئ نفسه بشكل ضمنى .. حتى كروبوتكين قد إقترح نوعا من المرحلية للشيوعية الكاملة .. فقد أوضح كروبوتكين أنه بعد الثورة مباشرة سيتعين على أفراد الطبقة العاملة البالغين أن يعملوا لنصف يوم (5 ساعات) حتى يمكن توفير قدر مناسب من الغذاء و الكساء و المأوى .. غالبية السلع ستكون كمياتها محدودة و من ثم ينبغى أن يدير المجتمع عملية توزيعها .. بمرور الوقت و مع تحسن الإنتاجية سيتطور الإقتصاد إلى الشيوعية الكاملة .. ستصبح معظم السلع وفيرة و يمكن للناس أن تحصل عليها من على أرفف مخازن المجتمع .. و سيمارس العمل بسبب الوعى الإجتماعى و الرغبة فى النشاط و لكن هذا كله لن يكون ممكنا لحظيا.

ثمة عامل آخر .. فالأقرب إلى التصور أن يقوم بالثورة جبهة متحدة من مجموعات سياسية متعددة مناهضة للرأسمالية .. فأمريكا الشمالية و أوروبا على سبيل المثال أضخم و أكثر تعقيدا من أن تحوذ منظمة ثورية واحدة الأفضل بين الأفكار و المناضلين .. سيكون على هذه المجموعات أن تعمل سويا و لكن بعضهم فقط سيكونون من الأناركيين الشيوعيين .. فإذا ما إستبعدنا السلطويين المتمسكين بنمط الدولة فإننا على أغلب الظن سنتحالف مع التشاركيين و الأناركيين غير الشيوعيين و الإشتراكيين الديموقراطيين الثوريين و أنواع مختلفة من الخضر إلى آخره .. و لا يمكننا أن نرغم كل هؤلاء على العيش فى إطار الأناركية الشيوعية .. فالشيوعية التحررية (الإجبارية) هى تناقض فى المصطلحات! .. قد تقرر الغالبية فى إقليم ما أن تعيش وفق الأناركية الشيوعية و لكن أقاليم مجاورة قد تعتمد نمطا تشاركيا (الإقتصاد التشاركى Participatory Economics) .. طالما لم يتم إستغلال العمال فإن الأناركيون الشيوعيون لن يبدأوا حربا أهلية داخل الثورة .. بشكل تجريبى سيتم إختبار مقاربات مختلفة فى أقاليم مختلفة و سوف نتعلم من بعضنا البعض.

كتب مالاتيستا [1984]، “إن الشيوعية المفروضة قسرا ستكون أكثر ما يمكن لعقل الإنسان أن يتصوره من أشكال الطغيان بشاعة .. و سوف تكون الشيوعية الطوعية و الحرة مدعاة للسخرية إن لم يمتلك الإنسان حق و إمكانية أن يعيش فى نظام مختلف سواء كان جمعويا أو تعاونيا أو إنعزاليا كيفما يشاء ، دائما بشرط ألا يكون هناك قمع أو إستغلال للآخرين” [ص 103] .. و توقع أن ينتصر فى النهاية نوع من الأناركية الشيوعية و لكنه شعر بأن هذا قد يتطلب وقتا طويلا لتحقيقه فى كل مكان.

هل ينبغى أن نعتبر أنفسنا شيوعيين؟

الأناركية الشيوعية هى هدف عملى مع التكنولوجيا الحديثة سواء كان علينا أن نمر خلال مراحل و حلول وسط مختلفة أو لم يكن علينا ذلك .. و لكن هذا لا يجيب السؤال: هل ينبغى أن نعتبر أنفسنا شيوعيين؟ .. نحن فى النهاية معادون لكل دولة شيوعية قائمة أو كانت قائمة فى أى وقت و نحن معادون لكل حزب شيوعى .. و لكننا لا يمكننا أن نعتبر أنفسنا معادون للشيوعية حيث يعتبر هذا عادة قبولا بالأمبريالية الغربية و بديموقراطيتها المحدودة (إلى حد كبير) و حكمها من قبل أقلية طبقية. نحن معادون لهذا الحكم الطبقى أكثر كثيرا مما كانت الأحزاب الشيوعية معادية له. و لكننا نقبل بأهداف كروبوتكين و كارل ماركس المتمثلة فى مجتمع بلا طبقية و بلا دولة ينظمه مبدأ، “من كل حسب قدراته إلى كل حسب حاجاته” .. بهذا المعنى نحن حقا شيوعيون أصلاء.

التيار العام للأناركية التاريخية كان هو الأناركية الشيوعية و يمكننا بل أعتقد أنه ينبغى علينا أن نحدد هويتنا بالإنتماء إلى التراث الشيوعى فى الأناركية و الذى يمتد إلى باكونين (كهدف) و إلى كروبوتكين (كعنوان) و إلى مالاتيستا و إيما جولدمان و تقريبا كل أناركى فى عصرهم .. كان ثمة صراع بين هؤلاء الأناركيين الذين دعوا أنفسهم بالأناركيين الشيوعيين و بين هؤلاء الذين دعوا أنفسهم بالأناركيين النقابيين (السندكاليين) و لكنه لم يكن بينهم خلاف من حيث المبدأ.. كان الأناركيون الشيوعيون يخشون أن يذيب الأناركيون النقابيون أنفسهم فى الحركة النقابية الثورية و كان الأناركيون النقابيون يخشون أن يقلل الأناركيون الشيوعيون من شأن مركزية و أهمية التنظيم العمالى .. و لكن الأناركيين الشيوعيين قد قبلوا فى معظمهم بحاجة الطبقة العاملة إلى التنظيم الذاتى و بشكل خاص حاجتها إلى الإتحادات العمالية فى حين شاركهم الأناركيون النقابيون هدف الشيوعية التحررية.

إتفاقنا فى العصر الحديث مع الأناركبة الشيوعية كهدف للطبقة العاملة ينبغى بالتأكيد أن ينص عليه فى كتاباتنا و برامجنا و لكن هل ينبغى أن يبرز النص عليه فى منشوراتنا و أسماء منظماتنا؟

إجابتى هى أن هذا أمر يعتمد على عوامل أخرى .. ففى بعض البلدان لمصطلح الشيوعية مفهوم إيجابى لدى معظم المناضلين من العمال و هذا عامة نتيجة للتضحية التاريخية بالنفس و لكفاح كوادر الأحزاب الشيوعية بغض النظر عن مظاهر ضعفهم .. هذا هو الحال فيما يبدو فى جنوب إفريقيا على سبيل المثال حيث أسس زملاء لنا فى الفكر جبهة زابالاتسا الأناركية الشيوعية.

و لكن للشيوعية فى بلدان أخرى مفهوم سلبى للغاية .. ليس هذا فقط نتيجة للدعاية البرجوازية السلبية و لكنه أيضا نتيجة 75 عاما من إرتباط هذا المفهوم بالشمولية الحقيقية للإتحاد السوفيتى .. لقد دعا هذا النظام نفسه شيوعيا و كذلك فعل تابعوه و مقلدوه فى أوروبا الشرقية و الصين .. إلخ .. و فى بلدان أخرى يعرف الشيوعيون بتقديسهم إلى حد العبادة للإتحاد السوفيتى و سيطرتهم ثقيلة الوطأة على أتباعهم و كذلك لإصلاحيتهم الإنتهازية .. و أعتقد أنه لهذه الأسباب قد إستبدل الإتحاد الأناركى الشيوعى فى المملكة المتحدة اسمه إلى الإتحاد الأناركى .. و من الواضح أن حركة التضامن العمالى الأيرلندية لا يتضمن اسمها كلمة “شيوعية” .. مما يعنى أن غياب لفظ الشيوعية من أسماء منظماتنا لا يعنى التخلى عن التراث الشيوعى.

أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تنتمى إلى النوع الثانى و من ثم فإن إضافة لفظ شيوعية إلى اسمنا يخلق حاجزا لا داعى له بيننا و بين معظم العمال الأمريكيين فهذا يجعل من الصعب تمييز أنفسنا عن التيارات السلطوية التى تدعو نفسها بالشيوعية و لذا فإننى أصوت ضد هذا الإستخدام خاصة إذا ما أتيح لنا فى يوم من الأيام تكوين إتحاد يمتد فى أمريكا الشمالية كلها.

يستخدم وصف “الإشتراكية التحررية” عادة بين الأناركيين لتمييز أنفسنا عن الإنعزاليين و التحرريين المؤيدين للرأسمالية .. أنا أفضل مصطلح “الأناركى الإشتراكى” و يتفق مع ذلك مالاتيستا فيقول “لقد دعونا أنفسنا دائما بالأناركيين الإشتراكيين”[ص 143] .. الإشتراكية هى مصطلح أقل تحديدا من الشيوعية .. و هى تعنى بالنسبة للبعض الإصلاحية نتيجة إستخدامها على نطاق واسع من قبل الإشتراكيين الديموقراطيين و كذلك الشيوعيين .. و لكنها على الأقل لا تعنى ضمنيا الشمولية و القتل الجماعى و هى المشكلة الحقيقية .. فى المقابل دعا التروتسكيون أنفسهم بالإشتراكيين الثوريين لتمييز أنفسهم عن الستالينيين و كثير من غير التروتسكيين يستخدمون بطاقة الإشتراكيين الثوريين أيضا .. و عبر أجيال إستخدمت ” الإشتراكية التحررية” أيضا لتعنى الأناركية.

تفضيلى لمسمى “الأناركية الإشتراكية” و ” الإشتراكية التحررية” على “الأناركية الشيوعية” هو تفضيل شخصى و قد يمثل رؤية الأقلية بين الأناركيون الشيوعيون فى الولايات المتحدة .. على أى حال هى ليست مسألة مبدأ فالمحتوى لا العنوان هو ما يهم أكثر

References
Malatesta, Errico (1984). Errico Malatesta; His life and ideas (Vernon Richards, ed.). London: Freedom Press.

Related Link: http://www.anarkismo.net/newswire.php?story_id=7171

ما هى الأناركية الشيوعية ؟ الجزء الأول/ المعانى المتناقضة للشيوعية

ما هى الأناركية الشيوعية ؟

 

الجزء الأول: المعانى المتناقضة للشيوعية

 

واين برايس
ترجمة : تامر موافي

آمن كروبتكين و آخرون من الأناركيين الشيوعيين فى القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين برؤية تسمى الشيوعية .. و شارك ماركس و إنجلز هؤلاء الهدف نفسه فى الأساس .. فى مجتمع شيوعى بدون دولة و بلا طبقية تكون حيازة أدوات الإنتاج جماعية (فى يد المجتمع ككل) و يتم العمل لأهداف إجتماعية و ليس مقابل أجر و تكون السلع الإستهلاكية متاحة للجميع بحسب حاجاتهم.

و لكن أثناء الحرب الباردة أصبح للشيوعية معنى مختلفا تماما .. خضعت أمم كبرى لحكم من أسموا أنفسهم أحزابا شيوعية .. أدارت إقتصادات هذه الأمم دول شمولية و أنتج عمالها المغلوبون على أمرهم سلعا بيعت فى السوق المحلى و العالمى و عملوا مقابل أجورهم ( أى أنهم كانوا يبيعون قدرتهم على العمل كسلع لرؤسائهم).

فى ذلك العهد كان الشيوعيون هم هؤلاء الذين يدعمون هذا النوع من الدول الإستبدادية .. من بينهم كان مؤيدو موسكو فى الأحزاب الشيوعية و الماويون و ستالينيون آخرون و معظم التروتسكيين .. دعوا أنفسهم بالشيوعيين و كذلك دعاهم معارضوهم .. و على الجانب الآخر لم يكن “المعادون للشيوعية” هم ببساطة هؤلاء الذين ناهضوا هذه النظم و إنما مؤيدو الإمبريالية الغربية .. جماعة تراوحت من الليبراليين إلى الفاشيستيين .. و فى ذات الوقت ندد مؤيدو موسكو بالإشتراكيين التحرريين بوصفهم معادون للشيوعية و معادون للسوفيت .. و لجأ البعض إلى تسمية أنفسهم بالمعادين لأعداء الشيوعية كطريقة للقول بأنهم لا يقبلون بالشيوعية و لكنهم ضد الإضطهاد المكارثى.

اليوم فى عهد جديد .. الإتحاد السوفيتى قد إنهار و كذلك حزبه الشيوعى الحاكم .. صحيح أن بعض تلك الدول مازال قائما بعد إدخال بعض التعديلات فى الصين و كوبا و أماكن أخرى .. و لسوء الحظ مازالوا يلهمون بعض الناس .. و لكن عدد و ثقل الأحزاب الشيوعية قد تضاءل بشكل عام .. فى المقابل فإن هناك تزايدا فى أعداد هؤلاء الذين يعلنون إنتمائهم إلى الأناركية و تيارها الأكبر و هو الأناركية الشيوعية .. يبقى آخرون متأثرون بماركس و لكنهم يتطلعون إلى تفسيرات تحررية و إنسانية لأعماله .. فكيف إذن ينبغى أن نستخدم مصطلح الشيوعية اليوم؟ هل يظل معناه هو نفسه كما فى الفترات الماضية؟ .. فى التالى سوف أستعرض تاريخ المصطلح و معانيه.

بينما دعا مؤسسو الحركة الأناركية (برودون و باكونين) أنفسهم بالإشتراكيين إلا أنهم قد نددوا بالشيوعية .. أحد العبارات التقليدية لبرودون هى أن الشيوعية “نظام أستبدادى و سلطوى يستند إلى مسلمة أولية هى خضوع الفرد للجماعة و أن المواطن ملك للدولة” [مقتبس فى بوبر، 1958؛ ص 30-31] .. و يقول باكونين: “إننى أحتقر الشيوعية لأنها تنفى الحرية .. و أنا لست شيوعيا لأن الشيوعية تنتهى بالضرورة إلى تركيز الملكية فى يد الدولة” [مقتبس فى ليير، 2006؛ ص 191] .. و من ثم دعا برودون نفسه تعاونيا Mutualist و دعا باكونين نفسه جمعويا Collectivist.

إذا ما تصورنا أحد الأديرة أو أحد الجيوش (حيث يعطى كل الجنود طعامهم و ملبسهم و مأواهم) فمن السهل أن نرى كيف أن الشيوعية (من نوع ما) يمكن تخيل تناقضها مع الديموقراطية و الحرية و المساواة .. فى كتاباته الأولى ندد ماركس ب”الشيوعية الخام” التى فيها “يكون المجتمع مجتمع عمل و مساواة فى الأجر الذى يدفعه المجتمع كرأسمالى أوحد” [ماركس، 1961؛ ص 125-126] .. و مع ذلك فقد دعا ماركس و إنجلز أنفسهم بالشيوعيين و هو مصطلح فضلاه على مصطلح الإشتراكيين الأقل تحديدا بالرغم من أنهما إستخدما مصطلح الإشتراكيين أيضا. (كره ماركس و إنجلز مصطلح “الإشتراكيون الديموقراطيون” الذى إستخدمه الماركسيون الألمان).

شرح ماركس بأكثر وضوح ممكن مفهومه عن الشيوعية فى كتابه “نقد برنامج جوثا” و فيه أن الشيوعية هى “مجتمع تعاونى ينبنى على الملكية المجتمعية لوسائل الإنتاج …” [ماركس، 1974 ؛ ص 345] .. فى “المرحلة الأولى للمجتمع الشيوعى …” [ص 347] تستمر الندرة و الحاجة إلى العمل. “نحن هنا نتعامل مع مجتمع شيوعى و قد ولد لتوه من رحم مجتمع رأسمالى و لا يزال منطبعا بعلامات الولادة الموروثة عن المجتمع القديم …” [346] .. فى هذه المرحلة الدنيا من الشيوعية تنبأ ماركس أن يتلقى الأفراد شهادات توضح قدر العمل الذى أسهموا به (مخصوما منه مقدار يخصص للتمويل المشترك) .. و بإستخدام هذه الشهادات يمكن للأفراد أن يحصلوا على السلع التى إحتاجت لإنتاجها القدر نفسه من العمل .. مع ملاحظة أن هذه الشهادات ليست نقودا لأنه لا يمكن مراكمتها (إدخارها) .. ولكن هذا يظل نظاما للحقوق و المساواة البرجوازية يتم فيه تبادل وحدات متساوية من العمل .. و مع الأخذ فى الإعتبار بأن للناس قدرات مختلفة و إحتياجات مختلفة فإن هذه المساواة تؤدى إلى قدر من “عدم المساواة”.

و يصدح ماركس بالقول بأنه “فى مرحلة متقدمة للمجتمع الشيوعى عندما يختفى خضوع الأفراد لعبودية تقسيم العمل و من ثم التناقض بين العمل العقلى و البدنى و عندما لا يعود العمل مجرد وسيلة للبقاء على قيد الحياة و إنما يصبح حاجة حيوية فى حد ذاته، و عندما تزيد التنمية المتكاملة للأفراد من قدراتهم الإنتاجية و تفيض ينابيع الثروة التعاونية بوفرة أكبر .. عندها فقط يمكن للمجتمع أن يعبر بمجمله الأفق الضيق للحق البرجوازى و يكتب على علمه: من كل حسب قدرته إلى كل حسب حاجته!” [ص 347]

(لسبب لا يعلمه أحد سواه أعاد لينين تسمية المرحلة الأولى للمجتمع الشيوعى بالإشتراكية و المرحلة الأكثر تقدما للمجتمع الشيوعى بالشيوعية .. و تبع أغلب اليسار هذا الإستخدام المضطرب).

 

برغم رفضه لمصطلح الشيوعية، طرح باكونين تصورا لمرحلتين من تطور إقتصاد ما بعد الثورة و فقا لصديقه جيمس جويلام الذى كتب فى عام 1874 دراسة أوجز فيها رؤى باكونين .. “ينبغى أن يقودنا مبدأ من كل حسب استطاعته إلى كل حسب حاجته، عندما يمكن للإنتاج أن يتخطى الإستهلاك بفضل الصناعة و الزراعة المعتمدين على العلم و هو ما يمكن تحقيقه خلال بضعة أعوام بعد الثورةفلن يكون من الضرورى تحديد نصيب كل عامل من السلع .. سيكون لكل إنسان أن يحصل على حاجته من إحتياطى السلع الوفير المتاح للمجتمع .. حتى ذلك الحين سيقرر كل مجتمع لنفسه خلال الفترة الإنتقالية ما يعتبره الطريقة الأمثل لتوزيع إنتاج العمل المشترك” [فى باكونين، 1980 ؛ ص 361-362] .. و هو يذكر بدائل مختلفة لنظم توزيع الدخل فى الفترة الإنتقالية، “… نظم سيتم تجربتها لإكتشاف كيف يمكن أن تعمل” [ص 361].

 

ما يطرحه “الإقتصاد التشاركى” Participatory Economics اليوم و الذى يكافأ العمال فيه وفق وطأة العمل و مدته الزمنية فى إطار إقتصاد تعاونى يمكن أن يتوافق مع مفهوم باكونين أو ماركس لمرحلة إبتدائية مؤقتة لمجتمع حر .. و لكن بخلاف التشاركيين فقد لاحظ ماركس و باكونين أن مثل هذا الوضع يبقى محدودا .. فبالنسبة لماركس و باكونين إذن تتطلب الشيوعية الكاملة مستوى مرتفعا من الإنتاجية و الرخاء أو إقتصاد ما بعد الندرة حيث بتوافر للناس متسع من وقت الفراغ للمشاركة فى صنع القرار فى العمل و فى المجتمع بما ينهى التمايز بين من يصدرون الأوامر و من يتلقونها .. و لكن ماركس أو باكونين لم يصفا آلية إجتماعية للإنتقال من مرحلة إلى أخرى.

 

رفض كروبوتكين تصور المرحلتين لكل من الماركسيين و الأناركيين الجمعويين .. و طرح بدلا من ذلك تصوره أن المجتمع الثورى ينبغى أن “يحول نفسه فورا إلى مجتمع شيوعى.” [1975 ؛ ص 98] بمعنى أن عليه أن يتجه مباشرة إلى ما إعتبره ماركس مرحلة أكثر إكتمالا و تقدما من الشيوعية .. و دعا كروبوتكين و من إتفقوا معه أنفسهم “أناركيون شيوعيون” ( أو شيوعيون أناركيون)، برغم أنهم استمروا فى إعتبار أنفسهم جزءا من الحركة الإشتراكية الأوسع.

 

فى رأى كروبوتكين لا يمكن تنظيم إقتصاد فى جزء منه وفق مبادئ رأسمالية و على أساس مبادئ شيوعية فى أجزاء أخرى فمكافأة العمال على أساس قدر التدريب الذى حصلوا عليه أو حتى بمقدار صعوبة عملهم ستؤدى إلى خلق تقسيم طبقى و الحاجة إلى وجود دولة تشرف على كل شيئ .. كما أنه من غير الممكن تحديد قدر مساهمة كل فرد فى نظام إنتاج تعاونى معقد حتى يمكن مكافأته بقدر عمله.

 

بدلا من ذلك إقترح كروبوتكين أنه بالنسبة لمدينة كبرى أثناء الثورة، “يمكنها تنظيم شؤونها وفق المبادئ الحرة للشيوعية بأن تضمن لكل ساكن مقيم فيها طعامه و ملبسه فى مقابل خمس ساعات من العمل .. و بالنسبة لجميع ما يمكن إعتباره سلعا كمالية فيمكن لأى أحد الحصول عليها إذا ما إلتحق بواحدة من الروابط الحرة [التى تدير شؤون المدينة] بأنواعها …”[ص 118-119] .. هذا سيقتضى التكامل بين العمل الزراعى و الصناعى و بين العمل البدنى و العقلى .. و لكن يبقى عنصر من القسر فى إقتراح كروبوتكين .. فمن المفترض أن هؤلاء البالغين صحيحى الجسم الذين لن يسهموا بالعمل لخمس ساعات يوميا لن يحصلوا على ضمانات الحد الأدنى [المأكل و الملبس].

 

أصبحت الأناركية الشيوعية هى السائدة بين الأناركيين إلى حد أنه أصبح من النادر أن تجد أناركيا (فيم عدا الأناركيون الإنعزاليون) لا يقبل الشيوعية بغض النظر عن الإختلافات التى قد تكون بينهم .. فى حين يدعو الماركسيون أنفسهم بالإشتراكيين الديموقراطيين منذ زمن بعيد .. و عندما نشبت الحرب العالمية الأولى دعمت الأحزاب الإشتراكية الديموقراطية الرئيسية الحرب التى بدأها الرأسماليون فى دولهم و دعا لينين الجناح الثورى للأممية الإشتراكية الديموقراطية إلى الإنشقاق عن خونة الإشتراكية .. و فى هذا الإطار دعا إلى أن يسمى حزبه البلشفى و أمثاله من الأحزاب أنفسهم أحزابا شيوعية كما فعل ماركس .. و إشتكى بعض أتباعه من أن هذا قد يسبب إختلاطا للأمر لدى العمال و يجعل البلاشفة يبدون مماثلين للأناركيين الشيوعيين .. و لكن لينين أعلن أن الأهم هو ألا يتم الخلط بينهم و بين الإصلاحيين من الإشتراكيين الديموقراطيين .. و نجح لينين فى فرض رأيه (كما فعل دائما فى حزبه) .. و بذلك إسترد الماركسيون مصطلح الشيوعية مرة أخرى .. و مع بروز نموذج الثورة الروسية إلتفت أغلب ذوى الفكر الثورى إلى اللينينيين و أصبح الأناركيون أكثر هامشية فأصبح مصطلح شيوعى فى الغالب مرتبطا باللينينيين.

سيناقش الجزء الثانى من المقال: هل الأناركية الشيوعية ممكنة؟ و هل تتطلب مجتمعا تخطى ندرة الموارد؟ و هل ينبغى للأناركيين أن يدعو أنفسهم شيوعيين (و متى؟ و أين).

 

******************

مترجم عن: Wayne Price – What is Anarchist Communism – anarkismo.net
Source:

http://www.anarkismo.net/newswire.php?story_id=6960

%d هاوشێوەی ئەم بلۆگەرانە: